قنا24 | تقرير- مازن الشعبي
حنين جمال: أرسم لوحاتي بمداد الدموع المحترقة في أحداق عيني
براءة خالد: بين الفن والفكر شعرة اسمها (الجنون)
نديان وجدان: الرسم سر سعادتي
هي مثل نهر يمدّنا بالحياة طوال الوقت، ذلك إذا كانت تلك المدن قد أصبحت شكلاً، وإن بقيت الأطلال والأوابد تحكي تاريخاً لا ينقطع، فكيف والحال إذا كانت لا تزال المدينة مستمرة في نبضها منذ الآلاف من السنين..
هنا تصير المدينة حافزاً للإبداع في كل لحظة، هنا ثمة انطباع يعلق بالمبدع، ويأخذه من وسطه، ويبقى “ينكوشه” حتى يسرده لوحةً تارةً، وحيناً قصيدة، وطوراً رواية، وبعد حين فيلمٍ سينمائي، أو مسلسل تلفزيوني.. وهكذا يصير المكان العتيق باعثاً للإبداع في كل لحظة، وفي كل لحظة تمر من عمر اليوم؛ يُقدم بواعث إبداعية جديدة، حتى للمبدع الواحد نفسه.
البيت العدني العتيق
من هنا، ربما نُفسر هذا الانجذاب للفنانين التشكيليين – على سبيل المثال – صوب المدن العتيقة العدنية، هنا ؛ ستصير التواهي معلولة، كريتر الموغلة بالحضارة والمعالم التاريخية تشكو من غياب الدعم لفنها ، وغيرها من المدن العدنية أشبه بالوقف الإبداعي للفنان التشكيلي على وجه الخصوص؛ منهم من يأخذ الأمر تسجيلياً صرفاً، ومنهم من يُعيد التعبير بصياغة جديدة، ومنهم من يُناكف، وآخرون قد يأخذون تكثيفاً من المكان، أو تلخيصاً، أو رمزاً يربط بين ماضٍ عتيق، وآخر مُعاصر، و ربما يأخذ المبدع ما يُمكن أن يُشكّل هوية ونسباً للعمل الفني، هنا حيث تبدو “الصبغيات” العدنية كـ اللوحة أو التمثال، وأن تمثلت مختلف الجماليات في العالم، غير أنه – العمل – يبقى يمدّ بمجساته صوب عدن بوابة العالم البعيدة القريبة..
وبالنسبة للرسامين في عدن، قلما تفلت مبدعٌ منهم من هذه “الصبغيات الإبداعية” والأمر يختلف مقدار “تفرغ” هذا الفنان أو ذاك للمكان، هل صَرَف جل أعماله على إعادة صياغة المكان القديم تشكيلياً، أم أن الأمر اقتصر على بعض اللوحات وحسب؟، أم كانت التجربة بكاملها مكرسة للمكان – المدينة القديمة – ومن ثم من كانت المدينة الأكثر تناولاً تشكيلياً من غيرها؟، هل هي عدن ، باعتبارها المدينة التي تملك موقعا استراتيجيا يجعلها بوابة العالم حتى اليوم بكامل نبضها ؟ ربما تكون معلولة التي لا تزال تنبض بروح الصهاريج أو قلعة صيرة، أو ساعة بيج بن التي هي الأخرى تنفث عطر البريقة، أو المعلا اللتين لا تزالان تفتح صدرهما للبحر، وهكذا هي دارسعد بمبدعيها وغيرها من المناطق العدنية.
حملة أطلق فنك في دار سعد
وفي هذا المجال، يُمكن للمتابع أن يُعدد عشرات الفنانين التشكيليين الذين أغنوا أعمالهم التشكيلية برموز من الأعمال التشكيلية في عدن، وربما تكون الرسامة الواعدة “حنين جمال”، أحد أهم الرسامين في حملة أطلق فنك، الذين أوقفوا كامل نتاجهم الفني، لتصوير السلام وتصوير عدن بمواقعها وجمالها، في ذلك التنوع المدهش والتسجيل لعوالم ومعاناة عدن، حتى أن بعض الأعمال التي وثقتها في لوحتها؛ أكدتها في معرض الصور في في كلية المجتمع بدار سعد ، وكذلك زميلتها الطالبة الواعده الفنانة براء خالد ، التي هي الأخرى أبرزت تلك الصورة بعملها الفني ضمن أنشطة حملة أطلق فنك الذي استمر من 22 حتى 29/ أكتوبر / 2023م في مديرية “دار سعد” في هذه المديرية، هذا الجزء من الإبداع الذي صار اليوم مشغلاً احترافياً للكثير من الفنانين سواء من خلال المراسم للطالبات اللاتي اتخذن المكان موقعاً لعرض اللوحات الفنية، والتي يشبهها بعضهم – دار سعد بوابة الإبداع لعدن- بـ “طالبة شكلت لدى معظم العدنيين نصف إبداعهم على الأقل”، بل من النادر أن تجد فناناً في عدن، لم يتناول عدن في أعماله، فالفن ربما يكون هو المحيط الذي نراه ويراه الآخرون، وكثير ما يرى الفنانون الأشياء كما لا يراها الآخرون..
سفيرة الإبداع
فالرسامه “حنين جمال” تعتبر معرض حملة أطلق فنك عكس لها عراقة التراث وأهمية السلام ، حنين الابداع مسكونة بتراث الوطن والسلام، عاشقة لمفرداته، تحمله إلى كل أصقاع الأرض في حلّها وترحالها، كي تُظهر للعالم ما تخبئه من كنوز تشكيلية نظراً لما تقدمه من أعمال فنية مميزة حتى اختيرت افضل رسامه في حملة أطلق فنك وأبرز نساء عدن في المعرض، وتعتبر كسفيرة للابداع في الرسم بمديرية دار سعد في كل المشاركات القادمة التي تدعى إليها هذه الفنانة المرهفة الحس..
فلقد نبشت في الرسم وطالعت أبجدياته، وزرعته في ذاكرتها لتوزع منه رسائل إلى المتابعين للوحات في المعرض ضمن أنشطة حملة أطلق فنك في مديرية دار سعد بمدينة عدن ، رسائل تتضمن صورة للكرة الأرضية تتضمن السلام للعالم، كونها تنتمي إلى عالم فني غارق بالأصالة، ومتشبع بالموروث الثقافي.. إنها الرسامة الواعدة “حنين” التي التقت بها “قنا24” لتأخذنا في رحلة جميلة بين أكمام الماضي وأردية الحاضر حيث هاجسها الفني الذي لا ينطفئ.
منغمسة في شواطئ المدينة، عاشقة للبحر وللفن، ما سر ذلك؟!
قد يكون ما بين التأمل المتواصل في حنايا البيئة وجمال الموروث الثقافي من حولها، التأثير المباشر وغير المباشر ليومياتها وما يميز بيئتها، حتى غدت سواحل البحر ملهمة لها.
هذا التأمل العميق، قد لا يقتصر على البيئة بما تحويه من تفاصيل كثيرة كالعلاقات الإنسانية والعادات اليومية والتأمل في الإنسان القديم وتبيان مدى ارتباطه بالمدينة العدنية في شبه الجزيرة العربية، مع التأمل الذي يُظهر مدى علاقة الفرد بمجتمعه وتأثّره به، كون القاسم المشترك بين الطقوس اليومية التي نألفها ـ فنجان الشاي العدني الصباحي – بل تتجاوز البيئة المحيطة إلى الغوص في أغوار هذه النفس البشرية العميقة، وفهم أسرارها ومكنوناتها التي خلقها الله وميزها عن سائر مخلوقاته..
- وهنا تبدأ الرسامه “حنين جمال” حديثها لـ”قنا24” بقولها: ” منذ طفولتي التي عشتها في مسقط رأسي في “دار سعد” بمدينة عدن نظراً لتميزها بموقعها الجغرافي، فهي تضم الكثير من الشواطئ الطبيعية الجميلة والجبال الراسخة المتاخمة للجانب الصحراوي بكثبانه الرملية.. هذا التأمل كبُر بمساعدتهما وكثُرت معه الأسئلة والإبداع حولي، ورغم حرارة المدينة إلا أنها منحتني الكثير وعززت فيّ التأمل لخلق إبداع الفن التشكيلي”.
حنين: بمداد الدموع المحترقة
وتواصل حديثها ، حول بريق الرسم وسحره، وامتلاك مفاتيحه:
“التجريب المستمر والاطلاع على تجارب الفنانين والبحث عن المميز، مع المشاركة في المعرض، ورؤية الإبداع عن قرب، كلها عوامل ساهمت في صقل معرفتي وتطوير خبراتي. هذا بالإضافة إلى الأفكار التي تتبلور في ذاكرتي قبل أن تخرج إلى النور، والتي استمدها من المجتمع لكوني ابنته، ودائمة البحث عن الطريقة التي تعبّر عن الأسرار المختبئة في ثنايا النفس وكذلك عن المرأة ، لإيصال رسالتي بالشكل الذي أطمح إليه، وجاءت وسائل التواصل الاجتماعي محفزة لي، أطّلع عليها وأتعلم منها وأكتشف ثقافات الآخرين، فأنا قبل أن أرسم لوحاتي أرسمها بمداد الدموع المحترقة في أحداق عيني.. وبعدها تترجم وتسقط على الأرض بهيئة ألوان وزخارف وأوجاع وآمال ، وهكذا يستمر الحال بالتنقل بين الأشياء والعوالم المختلفة “..
وتتابع حديثها بالقول: ” كانت مشاركاتي في حملة أطلق فنك هي أول مشاركة وفزت بالمركز الأول بمعرض الصورة واطمح لمواصلة المشوار” ،واختتمت حديثها : “طبعا أعمالي لاتزال في البداية ومتنوعة لها طابع خاص بالنسبة لي لأنها تمس الواقع..وحاولت أن أقدم منها ولو جزءاً يسيراً، فمن الدموع أصنع لوحاتي وأتأثر بها كأن لم أكن صاحبتها، ربما لأنها نبتت من عاطفة صادقة “..
براءة: بين الفن والفكر شعرة اسمها (الجنون)
من جهة أخرى، خرجت عن المألوف في أعمالها الفنية، وسلكت طريقاً فريداً في الشكل واللون من خلال أسبوعها الأول بعد أخذ دورة الرسم ضمن أنشطة حملة أطلق فنك على يد معلمتها نادية المفلحي ، شغلها الشاغل هو الإبداع والنجاح كي تسلك طريق المبدعات، علّ صوتها يصل إلى مبتغاها من خلال رسوماتها الجميلة وتشكيلاتها الإنسانية وما حملته من فكر يتجدد في مرسمها “إبداع في معرض أطلق فنك” لكي تبني فكراً مغايراً في عمق الإنسان والمرأة، وترسّخ ثقافة فنية تحمل أبجدية جديدة في عالم الفن التشكيلي.
الطالبة المبدعة “براءة خالد” في الصف الأول الثانوي من مدرسة زينب علي قاسم بمديرية دار سعد استطاعت في فترة وجيزة أن تحقق نجاحاً على صعيد تعلمها الرسم ، نظراً لبحثها المتواصل عن الواقع وتعلمها فنون الرسم خلال الورشة التدريبية لتعلم اساسيات فن الرسم ضمن أنشطة حملة أطلق فنك
وكان لـ”قنا24” أيضاً معها لقاء للحديث والغوص بين ألوانها وللتطّلع على خفايا ذلك الفن الجميل والملهم والباعث على الإدهاش.
فعن الحراك لاجتماعي الذي دار في عالم رسمها الرائعة في حملة أطلق فنك تحدثت الطالبة الموهوبة براءة لـ”قنا24” عن رسمها قائلة: ” رسوماتي تبحث عن التميز .. عن المحبة .. عن السلام .. هذا ما أهدف إليه منذ البداية”.
وتواصل حديثها :”في الرسم أودّ تقديم جرعة من الأمل لنشر السعادة في نفوس الآخرين، ولكي تعود الابتسامة تفرد جناحيها على عدن ، والإحساس بالحب يملأ الزمان والمكان، فمن الألم يضيء الأمل ، فبعض رسوماتي تطبيق لما تعلمت من حملت أطلق فنك هي تعبير عن الذات، وربما تكون شاهدة على العصر، حرّكت فني في الرسم” .
وتواصل الحديث حيث قالت : ” الرسومات لا تولد من تفكير عميق، ولا أُمسك القلم إلا بعد أن أشعر بإحساس يقودني ويحرّك قلمي ؛ حينها أغمسها في عمق اللون لأترجم ما أشعر به وينتابني من أحاسيس، فالإحساس العميق بالفكرة حين يقترن مع اللون يعزف موسيقاه بسمفونية إنسانية تحمل بين إيقاعها رسالتي وهدفي للمتلقي، فتصل بإحساس صادق لتترجم بصرياً ما في داخلي بأجمل لحن ، فالحياة بحلوها ومرّها، بمسؤولياتها، حين تخيّم الوحدة القاتلة على جوانبها تخلق منجزاً إبداعياً “.
وعن لغة الرسم تقول: ” إنه تعبير عن الذات الإنسانية بصمت، وعبارة عن سيرة ذاتية لأي زائرة يشاهد تلك الرسومات، فالرسم لغة فنية محسوسة وجلية للعيان، أرى نفسي من خلالها لأقول “أنا براءة”.
وتؤكد: “كونيِ طالبة في الصف الأول الثانوي ؛ إلا أن هذه المشاركات في حملة أطلق فنك زادتني قوة، لان هدفي الإبداع الفني” ..
واختتمت حديثها بالقول: ” أبعث برسائل تعجُّ بالذوق الفني، وتحمل في مضمونها الحب والسلام والأمل، نحن بحاجة إلى الأمل بالحياة لنعيش بسلام ونرسم الابتسامة على وجوه الفتاة، “.
نديان وجدام: الرسم سر سعادتي
استطاعت الرسامه الموهوبه « نديان وجدان» أن تقنع المتلقي من خلال لوحتها في معرض أطلق فنك أنها تمثل تجربة فنية مميزة تعكس ما يمكن أن ينجزه الفنانين المعاصرين اعتمادا على موهبتها وإمكاناتها الذاتية ورؤيتها الفنية الخاصة بعيدا عن طوفان الصور الذي يخرج من هنا وهناك في زمن العولمة، فهي تعمل جاهدة على تطوير لغتها في الرسم وأدواتها الفنية والتقنية عبر المشاركة في هذا المعرض الأول لها في كلية المجتمع بمديرية دار سعد ، باحثة عن خصوصية وتميز وبصمة فنية تنفرد بها، تلك البصمة التي يسعى إليها كل فنان وفنانة.
تقول الرسامه « نديان وجدان »، أهتم بالرسم لأنه أكثر شيء معبر وظاهر عن الإنسان والحياة والسلام ومن خلاله يمكن أن تصل إلى قراءة اللوحة كلها فتشعر بما يقصده الرسام ومايريد أن يعبر عنه ويظهره بعمله، ومنها يمكن أن توضح عمق اللوحة وأبعادها وشفافيتها.
وتضيف ، الألوان هي ما تتميز بها اللوحات، ال بالألوان وتنقل صورة للمتلقي عن الوجه المشرق والجميل من حياتنا، فألوان الربيع، أينما كانت هي ألوان فرح وسرور ومحبة، هكذا احب ان أوظف الألوان الفاتحة في أعمالي القادمة لتعكس ما أراه في الغد لنا.