قنا24 || تقرير لـ”وكالة الأناضول”
– دعم الدول الأوروبية متواصل لإسرائيل رغم الانتقادات الدولية لسياسات تل أبيب، وممارساتها بحق الفلسطينيين.
– تشعر ألمانيا بـ”مسؤولية خاصة” تجاه إسرائيل، ودعمها لها ليس هدفا سياسيا وحسب، بل جزءا من وجودها
– تواجه الدول الأوروبية صعوبات في التعبير عن انتقاداتها لسياسات إسرائيل بسبب ماضيها بـ”معاداة السامية”
– من ينتقد إسرائيل يُتهم بـ”معاداة السامية” التي باتت تعتبر جريمة خطيرة، وعليه امتنعت أوروبا عن انتقاد إسرائيل
– معظم الأوروبيين ينظرون إلى نكبة الفلسطينيين على أنها “أضرار جانبية” ويعتبرونهم “قضية لاجئين” فقط
تواصل الدول الأوروبية دعمها لتل أبيب وتؤكّد منذ فترة طويلة على “حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها”، رغم تغيير خطابها مؤخراً نتيجة انتقادات تلقتها من العالم وردود فعل الرأي العام الداخلي على خلفية ازدياد عدد القتلى الفلسطينيين جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وفي الجزء الثاني من ملف “مديونية الغرب لإسرائيل”، الذي يتناول دعم الدول الغربية لإسرائيل، تسرد الأناضول معلومات حول كيفية دفع أوروبا ثمن ما فعلته باليهود في الماضي.
الغرب الذي لطالما كانت له علاقات قوية مع إسرائيل في مجال الاقتصاد والتجارة، حافظ بطريقة ما على دعمه لها، رغم أنه يدلي بتصريحات تتوافق مع القانون الدولي خلال الفترات التي تندلع فيها الصراعات بين إسرائيل وفلسطين.
الحرب العالمية الأولى ووعد بلفور
قبل الحرب العالمية الأولى، بدأت هجرة اليهود الأولى إلى الأراضي الفلسطينية التي كانت تُسمى من قِبل اليهود حينها بـ”عالية”.
توجّه مئات الآلاف من اليهود من أوروبا الشرقية إلى فلسطين بين عامي 1890 و1936، وتباطأت هذه الهجرة لفترة وجيزة أواخر تلك الفترة، إلا أنها زادت مجدداً وخاصة من ألمانيا بعد عام 1933، بسبب سياسات الزعيم النازي أدولف هتلر وحزبه الذي استهدفت اليهود.
وأدّى تحديد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا أعدادا معينة لاستقبال اليهود، إلى تفضيل اليهود للأراضي الفلسطينية، حيث هاجر نحو 170 ألف منهم إلى فلسطين بين عامي 1933- 1936.
وخلال الحرب العالمية الأولى، اعتقدت الحكومة البريطانية بشكل خاص أن السكان اليهود يمكن أن يؤثروا على مواقف الدول التي كانت أطرافاً في الحرب.
وإلى حين إعلان الولايات المتحدة الحرب على ألمانيا في نيسان/ أبريل 1917، كانت بريطانيا تشعر بالقلق من أن ألمانيا ستتبنى موقفاً داعماً للأهداف الصهيونية وستتلقى دعم اليهود الأمريكيين.
ونتيجة لهذا الوضع الذي كان يقتضي تواجدا بريطانيا في المنطقة، كتب وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر بلفور في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917، رسالة إلى اللورد روتشيلد، أحد الشخصيات البارزة بالمجتمع الصهيوني البريطاني، ذكر فيها أنه سيدعم “إقامة وطن قومي للشعب اليهودي” في فلسطين.
ومع المبادرات التي أعقبت وعد بلفور، تم الحصول على دعم الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا لإقامة دولة لليهود في الأراضي الفلسطينية. وبذلك خفّضت الدول الأوروبية عدد السكان اليهود في مناطقها، ووضعت أيضاً الأساس لإنشاء دولة لهم في فلسطين.
ليست المحرقة وحدها خلقت المديونية
أساس العلاقات بين إسرائيل والدول الأوروبية يعود إلى الحرب العالمية الثانية، لكن ألمانيا وبريطانيا برزتا في مقدمة الدول الأوروبية بهذه العلاقات.
حاولت بريطانيا تقييد الهجرة اليهودية إلى فلسطين من خلال “الكتاب الأبيض” الذي نُشر عام 1939، غير أن هذه الخطوة قوبلت برفض إسرائيلي رغم أن “دولة إسرائيل” لم تكن مُعلنة رسمياً في ذلك التاريخ.
وفيما يخص العلاقات بين فرنسا وإسرائيل، فإن ما يُعرف بحرب “الأيام الستة” تستحوذ على مكانة مهمة في هذه العلاقات، لأنّ فرنسا أوقفت تصدير الأسلحة إلى إسرائيل بعد أن نشرت مصر جيشها في شبه جزيرة سيناء.
واعتبرت إسرائيل ذلك بمثابة خيانة غير مقبولة، وبالتالي أصبحت الولايات المتحدة حليف إسرائيل الموثوق به طيلة تلك الحرب.
حاولت الدول الأوروبية في وقت لاحق إرضاء إسرائيل وكسب ثقتها من خلال دعم تل أبيب في العديد من إجراءاتها وممارساتها.
وفي حين أن الأفكار والقيم المشتركة ساهمت في تسهيل التفاعل بين أوروبا وإسرائيل، استمرت العلاقات بين الجانبين بالتطور مع الاتفاقات بمختلف المجالات.
وبالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية والتجارية، مكّنت التهديدات المشتركة إسرائيل وأوروبا من تطوير تعاونهما المشترك في مجال الأمن.
أصبح من ينتقد إسرائيل يُتهم بـ”معاداة السامية” التي باتت تعتبر جريمة خطيرة، وعليه امتنعت الدول الأوروبية إلى حد كبير عن انتقاد إسرائيل أو الاعتراض على تصرفاتها.
في هذا السياق، تواجه الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا، صعوبة في تبنّي موقف تجاه إسرائيل يتماشى مع مصالحها، ولهذا تدعم دول مثل ألمانيا وبولندا وتشيكيا إسرائيل بقوة سياسياً، وذلك بسبب ممارسات تلك الدول بحق اليهود في الحقبة النازية.
مسؤولية ألمانيا الدفاع عن إسرائيل
أكّدت ألمانيا قبل وبعد أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على كل المستويات، أن عقلية الدولة الألمانية قائمة على وجوب ضمان أمن إسرائيل.
وقال البروفيسور الألماني كارلو ماسالا عن عقلية الدولة الألمانية في مقابلة مع التلفزيون الألماني: “رغم أن وجود إسرائيل ليس مهدداً حالياً، إلا أنه إذا ظهر أي شيء يهدّد وجودها، فحينها يتعين على ألمانيا (الدفاع بنشاط عن إسرائيل)”.
ورغم أن إقامة العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل (علاقات تشوبها الهولوكوست) تعود إلى عام 1960، فإنّ ما حدث خلال الحقبة النازية يؤثر على وجود ألمانيا الحالي وسياساتها ونظرتها للعالم.
تشعر ألمانيا بـ”مسؤولية خاصة” تجاه إسرائيل التي تأسست بعد فترة وجيزة من الحرب العالمية الثانية، ودعمها والتزامها تجاه إسرائيل ليس هدفاً سياسياً فحسب، بل يشكل أيضاً جزءا أساسيا من وجود هذا البلد.
أوروبا لا تعتبر إسرائيل “ملاذا آمنا” لليهود فحسب، بل تعتبرها أيضا هيكلا يحمي مصالح أوروبا ويعمل كدرع ضد البيئة المعادية للغرب.
وفي حين أن معظم الأوروبيين ينظرون إلى “النكبة” على أنها أضرار جانبية، فإن قضية فلسطين لا تعتبر قضية إنسانية بالنسبة لهم، بل هي عبارة عن “قضية لاجئين” فقط.
وبسبب التجاوزات التي أقدموا عليها ضد اليهود خلال التاريخ، يشعر الأوروبيون حالياً بأنهم مدينون أخلاقيا لإسرائيل.
ورغم انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، فإن الدول الأوروبية تقدم فقط مساعدات مالية للفلسطينيين، وتكتفي بتصريحات تلوم إسرائيل على ممارساتها بحقهم دون أي إجراء فعلي ضد تل أبيب.
“ألف عام من معاداة السامية المنهجية”
الباحث والكاتب سليم خان يني أجون، ذكر أن ديون أوروبا لا تقتصر على آخر 100 عام، بل تعود إلى الفترة التي اعتنقت فيها الإمبراطورية الرومانية الديانة المسيحية.
وقال يني أجون في هذا السياق: “هناك معاداة سامية ممنهجة عمرها ألف عام، تقابل فترات تاريخية خطيرة في كل قرن”.
وأفاد يني أجون بأن ألمانيا تأتي في طليعة الدول الأوروبية من حيث سداد الديون لإسرائيل، مبينا أن برلين لا تزال تدفع تعويضات كبيرة لتل أبيب.