قنا24 || غزة
مقال رأي لـ”داود خطاب” في صحيفة واشنطن بوست
أعلن الرئيس بايدن مؤخراً عن هدف نبيل، يتمثل في رغبته برؤية حكومة فلسطينية “مُنشطة” يمكنها أن تجمع بين غزة والضفة الغربية تحت “هيكل حكم واحد”.
من المؤكد أن بايدن يستحق الإشادة لإعلانه هذا الهدف، ولكن يمكن أن نغفر للفلسطينيين أن يتساءلوا: هل كان الرئيس الأميركي جاداً حقاً بشأن هذا التصريح؟ وإذا كان الأمر كذلك فعلًا، فهناك خطوة واحدة يمكنه اتخاذها الآن نحو تحقيق هدفه المتمثل في الاعتراف بفلسطين كدولة عضو في الأمم المتحدة.
لقد اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين دولة مراقبة غير عضو عام 2012 واعترفت 139 دولة حتى الان بدولة فلسطين داخل حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، ودعت الولايات المتحدة وأغلب الدول الأوروبية مراراً وتكراراً إلى حل الدولتين، ولكنها رفضت الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حتى أن إدارة بايدن رفضت الاعتراف بوضع فلسطين كدولة تحت الاحتلال.
في المقابل رفض كبار المسؤولين الإسرائيليين، الذين فهموا هذه الإشارات من واشنطن، التعامل مع القيادة الفلسطينية على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك لان رفض واشنطن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يحرم إسرائيل من أي سبب لأخذ الفلسطينيين على محمل الجد.
إن هذا الافتقار الفادح للخيال السياسي من جانب الأميركيين هو الذي ساهم في الوصول إلى الكارثة التي تجتاح المنطقة الآن.
سيكون للاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية عدد من الآثار الإيجابية، وسيظهر ذلك أن بايدن جاد حقًا بشأن هدفه المعلن المتمثل في حل الدولتين كما من شأنه أن يقوض مواقف المتطرفين على كلا الجانبين: المتطرفين الفلسطينيين الذين يرفضون الاعتراف بإسرائيل، وكذلك أولئك الذين ينتمون إلى أقصى اليمين في إسرائيل، والذين يريدون ضم جميع الأراضي الفلسطينية غرب نهر الأردن.
بايدن محق في قوله إن الفلسطينيين بحاجة ماسة إلى هيكل سياسي “مُعاد تنشيطه”.
من المفترض أن هذا القول قائم على إرادة الشعب الفلسطيني التي يتم التعبير عنها من خلال الانتخابات الحرة، لكن إجراء مثل هذه الانتخابات يكاد يكون من المستحيل ما لم يتأكد الناخبون الفلسطينيون من أن أصواتهم ستقربهم من التحرر من الاحتلال والعنف الذي لا نهاية له، وبهذا المعنى فإن الاعتراف والانتخابات الجديدة يشكلان عنصرين لا غنى عنهما في نفس الاستراتيجية.
كما يجب على المجتمع الدولي الإشراف على انتخابات قيادة فلسطينية جديدة تتفاوض مع إسرائيل بشأن جميع القضايا التي يجب الاتفاق عليها بين الدولتين الجارتين بالتوازي مع اعتراف الولايات المتحدة بفلسطين، وهنا أيضاً، يمكن لبايدن والقادة الفلسطينيين الحاليين أن يبدأوا بالاعتراف بالأخطاء التي ارتكبوها في هذا الصدد.
لقد أعلنت السلطات الفلسطينية مواعيد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في عام 2021، وقد أدى احتمال إجراء تصويت حر إلى شعور حقيقي بالإثارة في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث أمضى الفلسطينيون خمسة عشر عاماً دون أن تتاح لهم الفرصة لاختيار قادتهم، ولكن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس شعر بالتردد، خوفاً من المنافسة من جانب جيل جديد من الشخصيات الأصغر سناً والأكثر شعبية، مثل الزعيم المسجون مروان البرغوثي، ولهذا ألغى عباس الانتخابات، ولم يعترض بايدن.
خلال زيارة إلى بيت لحم بالضفة الغربية في يوليو 2022، أخبر بايدن عباس أن الوقت “لم يحن” بعد لمحادثات السلام، ومع عجز عباس عن التوصل إلى نتائج، حتى في حين كانت إسرائيل تزيد من ضغوطها على الفلسطينيين، زعم الجناح العسكري لحماس أن إسرائيل والعالم لا يفهمان إلا لغة القوة، ونظراً للظروف القائمة، وجد العديد من الفلسطينيين صعوبة في الاختلاف مع وجهة النظر هذه، وفي ضوء كل ما حدث منذ ذلك الحين، يجب أن يكون من الواضح أن الولايات المتحدة أهدرت فرصة هائلة لتقويض المتطرفين، ويتعين على واشنطن الان أن تثبت جديتها في منح الفلسطينيين فرصة لتقرير مستقبلهم.
إن احتمال إجراء مفاوضات نحو إنشاء دولة فلسطينية قد يبدو بعيد المنال في أعقاب الهجمات الوحشية التي شنتها حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والانتقام المروع الذي شنته إسرائيل في غزة، ولكن مثلما أظهرت الدبلوماسية نجاحاً في قضية الرهائن، فإن اعتراف بايدن بفلسطين – وهو ما يمكن أن يحققه ببساطة عن طريق توجيه سفيره لدى الأمم المتحدة بعدم استخدام حق النقض ضد قرار مجلس الأمن الدولي – يمكن أن يغير قواعد اللعبة.
أعلنت إسبانيا الأسبوع الماضي أنها قد تعترف بفلسطين بمفردها إذا فشل الاتحاد الأوروبي في القيام بذلك، ورغم أن مثل هذه المبادرات من جانب الدول الفردية موضع ترحيب، فإن التصويت في مجلس الأمن الدولي على التأكيد على الدولة الفلسطينية، وهو الأمر الملزم بموجب القانون الدولي، من شأنه أن يبعث برسالة قوية إلى كافة الأطراف بشأن جدية المجتمع الدولي، ومثل هذه الخطوة من شأنها أن تمنح الفلسطينيين الأمل في أنهم ما زالوا قادرين على تحقيق التحرر من الاحتلال، كما أنها ستعزز عملية وقف إطلاق النار من خلال توفير خريطة طريق سياسية واضحة.
على الصعيد الداخلي، فإن الاعتراف بفلسطين من شأنه أن يساعد بايدن أيضًا على إعادة ترسيخ أوراق اعتماده لدى الشباب الأميركيين، والتقدميين، والأميركيين المسلمين والأميركيين العرب في حزبه الذين يشعرون بخيبة أمل شديدة بسبب أحادية سياساته تجاه إسرائيل.
إن أي جهد جاد لإيجاد نهاية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي لابد وأن يستغني عن الحلول الجزئية التي تمت تجربتها حتى الآن، وينبغي أن يكون الهدف الاستراتيجي هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية، وبمجرد ترسيخ هذا الهدف، يمكن للفلسطينيين والإسرائيليين بعد ذلك العمل على ملء التفاصيل المتعلقة بالحدود والقدس واللاجئين والمستوطنين والأمن والعلاقات الإسرائيلية الفلسطينية المستقبلية، وهذا هو المسار الوحيد الذي يوفر مخرجاً ناجعاً من الأزمة الحالية، ولا ينبغي تفويت هذه الفرصة.
نقلا عن واشنطن بوست