قنا24 | واشنطن
من المنتظر أن يدفع إنهاء النيجر لتعاونها الدفاعي مع الولايات المتحدة إلى رحيل القوات الأميركية. وسيمهد هذا طريق نشر أفراد شبه عسكريين روس في البلاد، مما يدهور بيئتها الأمنية أكثر على المدى المتوسط.
وأعلن المتحدث باسم المجلس العسكري في النيجر العقيد أمادو عبدالرحمن في 16 مارس أن بلاده ستوقف التعاون الدفاعي الثنائي مع الولايات المتحدة فورا. وأكد أن وجود القوات الأميركية على أراضيها أصبح الآن غير قانوني.
وشمل التعاون الدفاعي الثنائي بشكل خاص اتفاقية وضع القوات التي تسمح بتواجد حوالي ألف من الأفراد المدنيين والعسكريين الأميركيين بالإضافة إلى منشأتين عسكريتين في النيجر، ومن المنشأتين القاعدة الجوية 201 الموجودة بالقرب من أغاديس، وهي أساسية لعمليات المراقبة ومكافحة الإرهاب الأميركية في النيجر وجارتها ليبيا.
فبعد انقلاب النيجر في يوليو 2023 ضد الرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد بازوم، أوقف النظام العسكري الجديد بسرعة التعاون العسكري مع فرنسا، بينما واصلت باريس سحب قواتها بحلول ديسمبر.
وجاء إنهاء النيجر للتعاون الدفاعي بعد تعليق الولايات المتحدة للتعاون الدفاعي الثنائي في أكتوبر 2023، بينما يبتعد المجلس العسكري عن الغرب لتعزيز سلطته محليا.
وانتقدت فرنسا بشدة انقلاب النيجر في 2023 فور وقوعه، لكن واشنطن تبنت في البداية نهجا أكثر حذرا تجاه قادته على أمل الاحتفاظ بمنشآتها العسكرية في البلاد. وكانت محاولات ضمان الانتقال السريع إلى القيادة المدنية فاشلة، ووصفت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في النهاية الإطاحة ببازوم بالانقلاب في أكتوبر 2023.
إنهاء التعاون الدفاعي مع واشنطن يهدف إلى تلميع صورة المجلس العسكري في نظر الجمهور النيجري كمناوئ للإمبريالية
وفرض القانون الأميركي بذلك تعليق جميع أشكال التعاون الأمني غير الإنساني، بما في ذلك الدفاع. وصاحب هذا قرار فرنسا بسحب قواتها من البلاد، مما عزز حاجة المجلس العسكري إلى تطوير العلاقات مع شركاء جدد مثل روسيا، وتدهور العلاقات مع واشنطن أكثر.
وبلغت التوترات ذروتها خلال رحلة دبلوماسية أميركية إلى النيجر يومي 12 و13 مارس كرّر المسؤولون الأميركيون خلالها مطالبهم بجدول زمني انتقالي موثوق به للقيادة المدنية قبل أن تستأنف الولايات المتحدة التعاون الدفاعي وحذروا النيجر من السعي إلى المزيد من التعاون مع روسيا وإيران.
ولا يستطيع القادة العسكريون في النيجر الاستجابة لمطالب واشنطن دون المساس بسيطرتهم على البلاد. وقرر المجلس العسكري استغلال الخلاف لتعزيز سلطته، وإنهاء التعاون الدفاعي بما يهدف إلى تلميع صورته على صعيد السيادة ومناهضة الإمبريالية في نظر الجمهور النيجري.
عززت النيجر وإيران العلاقات التي تجمعهما خلال الأشهر الأخيرة. وذكرت تسريبات من وكالات مخابرات غربية أن البلدين ربما وقّعا بالفعل اتفاقا مبدئيا تزود النيجر بموجبه إيران باليورانيوم. لكن لوجستيات هذا الاتفاق لا تزال موضع تساؤل حيث تمتلك النيجر منجم يورانيوم رئيسيا واحدا فقط قيد الإنتاج، وتديره اليوم شركة أورانو الفرنسية المملوكة للدولة.
ووقّعت روسيا والنيجر اتفاقية بروتوكول دفاعي. وكان سياقها سريا في ديسمبر 2023. وتعهد الجانبان بتعزيز التعاون الثنائي في مجالات الدفاع والزراعة والطاقة في يناير 2024.
ومن المرجّح أن تضطر الولايات المتحدة إلى سحب قواتها وإخلاء منشآتها العسكرية الموجودة في النيجر، مما سيقوض قدرة واشنطن على مراقبة النشاط الجهادي في منطقة الساحل حتى لو تمكنت من تأمين قاعدة للطائرات دون طيار في أماكن أخرى في غرب أفريقيا على المدى المتوسط.
القادة العسكريون في النيجر لا يستطيعون الاستجابة لمطالب واشنطن دون المساس بسيطرتهم على البلاد
وبعد تصريح المجلس العسكري بكون الوجود العسكري الأميركي في النيجر غير قانوني الآن، ويتوقع جل الجمهور النيجيري أن تغادر القوات الأميركية البلاد، يرى رئيس المجلس العسكري الجنرال عبدالرحمن تشياني أن الفشل في تلبية هذه التوقعات العامة سيخلق تحديا سياسيا، حيث أسس النظام العسكري شرعيته على وعود استعادة سيادة النيجر الكاملة.
وبينما لا يمكن تجاهل اتفاق وساطة يمكّن الولايات المتحدة من الاحتفاظ ببعض الوجود العسكري في البلاد (لا تزال قطاعات من الجيش النيجري تميل نحو واشنطن)، قد يثير هذا احتمال حدوث انقلاب عناصر المجلس العسكري الأكثر معاداة للغرب ضد تشياني.
وبينما يمنح تشياني الأولوية لتعزيز سلطته، يبدو من المرجح أن تضطر الولايات المتحدة إلى إجلاء قواتها ومنشآتها العسكرية من النيجر خلال السنة القادمة. لكن تأجيل هذه العملية ممكن، حيث من المرجح أن تواصل إدارة بايدن جهود الوساطة على أمل إقناع تشياني بإلغاء إنهاء تعاونه الدفاعي.
ومن المرجّح أيضا أن تسرّع واشنطن جهودها الهادفة إلى إنشاء قاعدة للطائرات دون طيار في أماكن أخرى في غرب أفريقيا، حيث تبدو غانا وساحل العاج وبنين الوجهات الأكثر احتمالا. وبينما سيساعد إنشاء قاعدة جديدة للطائرات دون طيار في أحد هذه المواقع الولايات المتحدة على مراقبة التحديات الجهادية المحتملة في مناطق غرب أفريقيا الساحلية، إلا أنها لن تكون مفيدة في مراقبة النشاط الجهادي في منطقة الساحل بسبب بعدها الجغرافي عن المنطقة.
ويعني إنهاء المجلس العسكري للتعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة أن نشر أفراد شبه عسكريين روس قد يكون على المدى المتوسط، مما سيساهم في توسيع النشاط الجهادي.
ومع استمرار تدهور البيئة الأمنية في منطقة الساحل الغربي، قد يحاكي المجلس العسكري في النيجر القادة العسكريين في مالي وبوركينا فاسو بطلب نشر أفراد شبه عسكريين روس في البلاد على المدى المتوسط. وسيشمل ذلك، إن حدث، نشر مدربين عسكريين روس في البداية.
النيجر ستواصل تطوير العلاقات مع الدول غير الغربية الأخرى لتجنب الاعتماد المفرط على موسكو رغم احتمال نشر أفراد شبه عسكريين روس على المدى المتوسط
ولكنه قد يتوسع بمرور الوقت ليشمل مقاتلين من “فيلق أفريقيا” الروسي (المعروف سابقا باسم مجموعة فاغنر) إما بتوفير أفراد أمن لتشياني أو بدمجهم في عمليات مشتركة لمكافحة الإرهاب مع الجيش النيجري. وبينما يمكن لمثل هذا الانتشار أن يساعد المجلس العسكري على تعزيز سلطته، إلا أن وصول أفراد شبه عسكريين روس إلى النيجر سيساهم في تقويض بيئة البلاد الأمنية على المدى المتوسط، حيث لا يتمتع فيلق أفريقيا الروسي بنفس قدرات الجيش الأميركي أو الفرنسي العسكرية.
يُذكر أن القوات الروسية المنتشرة في البلدان الأفريقية ترتكب انتهاكات روتينية ضد المدنيين، مما سيسهل في النيجر جهود التجنيد التي تبذلها الجماعات الجهادية مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية – ولاية الساحل.
وأجرى تشياني مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 26 مارس الماضي، إثر تعليق التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة. وحظيت بتغطية إعلامية كبيرة، حيث اتفق الزعيمان على “الحاجة” إلى تعزيز التعاون الأمني الثنائي.
وستواصل النيجر تطوير العلاقات مع الدول غير الغربية الأخرى لتجنب الاعتماد المفرط على موسكو رغم احتمال نشر أفراد شبه عسكريين روس على المدى المتوسط.
وقد يعزز هذا المنافسة بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تسعى إلى توثيق العلاقات مع نيامي. وسيمكّن نشر أفراد شبه عسكريين روس في النيجر من تعزيز نفوذ موسكو على المجلس العسكري. لكن احتياجات المجلس العسكري الدبلوماسية والسياسية الداخلية ستدفعه إلى مواصلة الجهود لتطوير العلاقات مع أطراف ثالثة، بما في ذلك إيران، في خضم انفصاله عن معظم الدول الغربية. وقد تردّ دول الخليج العربية على تواصل طهران مع المجلس العسكري بالسعي إلى فرض وجود أكبر في النيجر بسبب مخاوفها من توسّع النفوذ الإيراني في أفريقيا.
ويمكن لتوسع هذا التعاون بين دول الخليج والنيجر أن يمهّد الطريق للاستثمارات الأجنبية التي تشتد حاجة الدولة الساحلية إليها. كما ستواصل النيجر بذل جهودها لتعزيز العلاقات مع تركيا، التي قدمت لنيامي الدعم العسكري قبل انقلاب يوليو 2023 وبعده، بالإضافة إلى تمويل مبادرات التنمية.
ومن المتوقع كذلك أن تواصل الرباط تعزيز علاقاتها مع النيجر، وكذلك مالي وبوركينا فاسو، خاصة بدفع خطط لمساعدة دول الساحل الغربية على تنويع منافذها البحرية عبر موانئ المغرب. وبينما يبدو من غير المرجح أن تتحقق المبادرة على المدى المتوسط بسبب مشاكل البنية التحتية، إلا أن هذه الخطوة تسلط الضوء على طموح المملكة المغربية لتعزيز مكانتها كقائد إقليمي. ومن المرجح أن تعزز هذه الدفعة المنافسة بينها وبين الجزائر على القيادة الإقليمية. وسيسعى المجلس العسكري في النيجر إلى استغلال هذا السباق لتحقيق أقصى قدر من التزامات الاستثمار من كلا الجانبين.
والتقى علي ماهامان الأمين زين، رئيس حكومة النيجر الذي عينه المجلس العسكري، بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال زيارته الرسمية إلى طهران في يناير. وأشاد رئيسي خلالها بـ”طريق الاستقلال والحرية” في النيجر. ووقّع الزعيمان بعد ذلك اتفاقيات لتعزيز التعاون الصحي والاقتصادي والسياسي.
وسلّمت تركيا من جهتها ست طائرات دون طيار من طراز “بيرقدار تي بي 3” إلى النيجر خلال مايو 2022، وواصلت جهودها لتدريب الجيش النيجيري إثر انقلاب يوليو 2023.