قنا 24| وكالات
لا جدال أن الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة تسحق كل ما أمكنها سحقه من بشر وحجر. لكنّ دائماً ما يكون للحروب تأثير مضاعف على النّساء، نظراً للأعباء التي تفرضها عليهن ولضررها على أجسادهن وللدور الذي يفرضه المجتمع هو الآخر على هؤلاء والذي تشتدّ وطأته في زمن الحروب. حيث يشكل تردي الأوضاع بفعل القصف والحصار والتجويع بيئة خصبة لمضاعفة العنف الممارس ضد النساء من العدو ومن محيطهن في آن. ورغم وضوح حجم المعاناة التي لن تنتهي بوقف إطلاق النار، ورؤية العالم لفظاعة ما يرتكب، إلا أنه وحتى الآن لا مطالبات وضغوط جدية لوقف الحرب.
تختلف هذه الحرب عن سابقاتها بحجم الوحشية غير المسبوقة وبنمط الاستهداف. ويظهر تقرير نشرته الأمم المتحدة، في كانون الثاني، حول “الأثر المتعلق بالنوع الاجتماعي للأزمة في غزة”، أنه بين 2008 وحتى 7 أوكتوبر 2023، لم تتجاوز نسبة النساء والفتيات اللواتي قتلن في الأعمال العسكرية 14 بالماءة، من أصل 6542 قتيلاً فلسطينياً و308 إسرائيلياً.
لكن هذه المرة شكّل النساء والأطفال في غزة 70 بالماءة من ضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع. وتقتل اثنين من الأمهات في كل ساعة، وفق التقرير. حتى أن البنتاغون، حليف إسرائيل، أعلن أمس أن 25 ألف امرأة وطفل قتلوا على يد القوات الاسرائيلية منذ 7 أوكتوبر. بينما يُرجح أن يكون عدد الضحايا أكبر من المصرح عنه نتيجة تبخر عدد من الأجساد بفعل الغارات العنيفة، وكذلك مقتل عائلات بأكملها مما يؤثر على عمليات التبليغ وإحصاء الضحايا. أيضاً، تخلف الحرب آلاف الجرحى الذين لا يجدون الرعاية الطبية نتيجة تدمير المستشفيات وقتل كوادر طبية.
ينعكس هذا التدمير للمرافق الصحية وانقطاع المواد الطبية بشكل أكبر على صحة النساء التي تتطلب رعاية خاصة. فتصبح الصحة الانجابية والأمراض النسائية مسألة ثانوية لا مجال لمعالجتها بينما تندر المواد الطبية ويتدفق المصابون إلى ما تبقى من مستشفيات. حتى العادة الشهرية تصبح عبئاً كبيراً. ومن التداعيات على أجساد النساء مثلاً أن أصبح إزالة الرحم الحل الوحيد لمعالجة مضاعفات صحية كان يمكن معالجتها دون الاضطرار لذلك. وباتت نساء تلجأ إلى عيادات غير مجهزة للولادة بدل المستشفيات.
الجوع الذي ضرب القطاع، خصوصاً شماله، له ثقله على الحوامل. فإضافة لمعاناة الأم، يؤدي لتشوه أو حتى موت الجنين أو المولود. وتعتبر النساء بشكل عام أكثر تضرراً من أزمات نقص الغذاء، إذ تملن إلى تقليص تناول الطعام بشكل كبير عندما يقل، لتوفير الموجود منه لبقية أفراد الأسرة.
للنزوح إمعانه هو الآخر في تعميق مأساة نساء غزة. خصوصاً في ظل الكثافة الهائلة وسوء تجهيز أماكن الإيواء، حيث يجتمع نحو مليونا نازح، نصفهم من النساء والفتيات، في منطقة جغرافية صغيرة. وتنعدم في أماكن الإيواء المؤقتة الخصوصية ووسائل النظافة كما يصعب الوصول إلى دورات المياه ومنشآت الصرف الصحي. هذا الواقع يعرض النساء للمزيد من الأمراض ويصعب عليهن التعامل مع الدورة الشهرية. كما يزيد من نشوء نزاعات بين النازحين والعنف ضد النساء، ما يزيد المخاطر الجسدية ويهدد بتدهور إضافي في الصحة النفسية لهؤلاء والمتضررة أصلاً بفعل الحرب.
إضافة إلى كلّ ما يتحملنه، عادة ما تلقى على النساء مسؤولية تدبير العائلة ورعاية الأقرباء المسنين والمرضى وذوي الإعاقة. وتزيد الحرب المتفلتة من أي ضوابط أعداد المعوقين والأشخاص الذين يحتاجون إلى الرعاية، بينما بات يصعب تأمين حاجاتهم الأساسية ما يضيف أيضاً وأيضاً مزيداً من الضغوط الجسدية والنفسية على كاهل النساء.
قبل الحرب كان يصعب على النساء اللواتي يرأسن الأسر إيجاد عمل كاف لإعالة عائلاتهن وتأمين حاجاتها. فأتت الحرب الاسرائيلية لتزيد العدد حوالي 3000 أسرة في ستة أسابيع فقط، وفق الأمم المتحدة، بعد قتل المعيل، في حين تكاد تنعدم فرص الحصول على دخل. وحتى الأسر التي يعيلها الرجال فقد ساءت حالها مع البطالة التي فرضتها الحرب. هذا في وقت تقل فيه قيمة النقود إذ ترتفع فيه أسعار السلع بشكل جنوني بفعل ندرتها.
ومع استمرار الإفقار والتجويع وتدمير المدارس والجامعات وتيتيم آلاف الطفلات، يزداد خطر تزويج القاصرات كحلّ لتخفيف الأسر من الأعباء المعيشية الملقاة على كاهلها. وهو ما يجر بدوره عنفاً ضد النساء سيستمرّ لسنوات، مع ما يجره من خطر على صحة النساء الانجابية والجسدية والنفسية.
إذاً تجرّ الحرب ويلاتها بشكل مضاعف على النساء. وككل سكان القطاع سيعانين لسنوات طوال من تداعيات هذه الحرب. وسيحملن آثارها في أجسادهن التي لن تتعافى بسرعة حتى وإن لم تصبها مباشرة النيران الاسرائيلية. ويبقى المطلوب وقفاً للقتل والتدمير والتجويع للحد قدر المستطاع من هول الكارثة الإنسانية التي وقعت وحمّلت النساء مع الأطفال وزرها الأكبر.