القراءة الصوتية
قنا24 | صنعاء
يسعى العديد من المزارعين اليمنيين لتحويل أراضيهم من زراعة القات إلى زراعة القهوة، وهو حلم يراودهم في ظل التحديات الاقتصادية والبيئية التي يواجهها اليمن.
ورغم الصعوبات المرتبطة بتحويل الزراعة، مثل ضعف خصوبة التربة وارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية، إلا أن العديد من الخبراء والمزارعين يؤكدون على ضرورة الدعم الحكومي والمجتمعي لتطوير هذا القطاع.
يقول أحمد عبدالله، مزارع يمني في الأربعين من عمره، “قمتُ مع والدي بقلع أكثر من ألفي شجرة قات واستبدالها بشجرات بن.” ويصف أحمد هذه التجربة بالمثيرة وهي تزداد جذبا يوما بعد يوم من قبل المزارعين اليمنيين، وتحظى بتشجيع حكومي ومجتمعي في إطار جهود تحسين الإنتاج الزراعي ومكافحة التغير المناخي. وتأتي هذه الخطوة في وقت يشكل فيه نبات القات أحد أبرز التحديات الاقتصادية في البلاد.
وتوضح أسرة عبدالله، التي تمتلك أراضي زراعية في محافظة عمران شمال صنعاء، دوافع توجهها الجديد نحو زراعة القهوة بدلا من القات. ويقول أحمد في حديثه مع دويتشه فيله عربية إن اختيار زراعة شجرة البن جاء نتيجة اهتمام عائلته الكبير بـ”شجرة البن” التي تعتبرها “الشجرة المباركة”، إضافة إلى العائد الاقتصادي المرتفع الذي توفره. ويؤكد أن التجربة “تكللت بالنجاح بنسبة 100 في المئة”، رغم عدم تلقيهم أي دعم من الجهات المعنية بهذا النوع من المشاريع. ويضيف “بفضل الله وصبرنا، تحقق الهدف وهو الاكتفاء الذاتي.”
في بلد تشكل زراعة القات تهديدا يهيمن على جزء كبير من الأراضي الزراعية، تبرز زراعة القهوة كأحد البدائل الأساسية للحد من انتشار القات، الذي يُستهلك على نطاق واسع في اليمن. ويُعرف اليمن تاريخيا كأحد أقدم مصادر أجود أنواع القهوة في العالم، حيث اشتُهرت ماركات عالمية مثل “موكا” التي سُمّيت نسبة إلى ميناء المخا اليمني، الذي كان مركزا رئيسيا لتصدير البن.
كجزء من الجهود المبذولة للاستجابة للمبادرات والحلول التي تطلقها المنظمات المجتمعية المحلية وتدعمها الجهات الدولية، شهدت السنوات الأخيرة توسعا في زراعة القهوة. وفي هذا السياق، أفادت وزارة الزراعة والري في صنعاء بأنها قامت بتوزيع الملايين من الشتلات خلال الأعوام الأخيرة، بهدف زيادة المساحات المزروعة بشجرة البن في العديد من المحافظات.
على الرغم من أن القهوة تمثل بديلا اقتصاديا وثقافيا يشجع المزارعين على البحث عن بدائل للقات، إلا أن هذا التوجه يواجه العديد من التحديات. يقول أحمد عبدالله في حديثه مع دويتشه فيله عربية إن أبرز هذه التحديات يتمثل في نقص المياه، فضلا عن غياب خزانات مائية للاستفادة من الأمطار والسيول، بالإضافة إلى نقص الدعم الحكومي المطلوب.
كما يشكو بعض المزارعين من قيام بعض التجار باستيراد البن من الخارج ثم إعادة تصديره على أنه بن يمني، وهو ما أثر سلبا على المزارعين وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام، وفقا لما ذكره أحمد. ومع ذلك، ينصح المزارعين قائلا “عليكم بزراعة هذه الشجرة، فلا عز لنا إلا بزراعتها، فبفضلها تحصنون أنفسكم من الفقر، ومن خلالها نعيد مجد أسلافنا، وهي تمثل ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.”
التوجه نحو زراعة القهوة لا يتطلب بالضرورة أراضي جديدة، كما يوضح طه أحمد، وهو مزارع خمسيني من محافظة إب جنوب غرب اليمن. فقد تدهورت شجرة البن في أرضه، لكنه قام بتجديدها بزراعة شتلات جديدة محسنة بدلا من تلك التي تأثرت مع مرور الوقت.
وعن إمكانية زراعة البن في أراض جديدة، يقول أحمد إن زراعة القهوة تقتصر على الظروف المناسبة من حيث التربة ووسائل الري، حيث لا تناسب هذه الزراعة المرتفعات الجبلية التي تحتوي على المدرجات الزراعية المنحوتة والتي تفتقر إلى التربة الخصبة القادرة على احتفاظ المياه لفترة طويلة. ولهذا، تظل هذه الأراضي أكثر ملاءمة للزراعات الموسمية مثل الحبوب أو القات، الذي يمكن ريّه وقطفه عدة مرات في السنة، مما يجعله أكثر استنزافا للمياه.
إلى جانب الدوافع الثقافية والتاريخية، يحظى التوجه نحو زراعة القهوة بدعم من الجهات الحكومية والمنظمات الدولية، مثل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، الذي أطلق مشروعا منذ ثلاث سنوات لدعم التحول “من القات إلى البن”، بهدف تعزيز المناخ والأمن الغذائي.
ويشمل المشروع تحليل سلسلة القيمة لإنتاج القات، مع التركيز على الفوائد المالية وفرص كسب العيش التي يوفرها هذا القطاع، وتقديم توصيات لتعزيز سلسلة قيمة البن كبديل. وفقا لدراسة نشرها البرنامج بعنوان “تحليل سلسلة قيمة القات والبن في اليمن”، يُعتبر القات عاملا رئيسيا في الفقر، حيث يستهلك نحو 40 في المئة من الموارد المائية ويغطي 15 في المئة من الأراضي الزراعية، مما يعوق الزراعة المستدامة. بالمقابل، تتميز زراعة القهوة باستهلاك أقل للموارد المائية، مما يجعلها خيارا مستداما في ظل شح المياه.
وعلى الرغم من التحديات التي تعترف بها تقارير حكومية، اطلعت دويتشه فيله عربية على نسخة منها، مثل ضعف خصوبة التربة، وعدم انتظام هطول الأمطار، وارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية التي تزيد من صعوبة تطوير هذا القطاع، فإن الخبراء والمزارعين يؤكدون على ضرورة دعم أكبر من الحكومة والمنظمات غير الحكومية. يشمل هذا الدعم الجوانب التوعوية وتوفير الأدوات والأساليب الزراعية الحديثة التي تساهم في التحول نحو زراعة القهوة على حساب القات، وتحقيق حلم يتقدم ببطء نحو واقع ملموس، تظهر نتائجه الاقتصادية والاجتماعية.