قنا24 | مازن الشعبي
في قلب محافظة الشرقية، وتحديداً في قرية بحطيط، التي أشار إليها “معجم البلدان” ليقوت الحموي كموقع يكتنفه التاريخ والرمزية، نروي قصة تتعدى حدود الزمن، تصلح أن تكون عبرة وعظة للأجيال. القصة التي سنرويها هي من عصور النبي موسى عليه السلام، وقد طُرِحت لاحقاً في سورة البقرة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لتكون دروساً وعبرًا في كتاب الله.
تبدأ القصة بجريمة غامضة ارتُكِبت في مجتمع بني إسرائيل، كان هناك رجل ثري يمتلك ثروة طائلة وابنة وحيدة، هذا الرجل كان له ابن أخ شاب فقير، تقدم للزواج من ابنته، ولكن طلبه قوبل بالرفض، هذا الرفض ملأ قلب الشاب بالحقد والانتقام، فخطط لقتل عمه واستغلال ثروته لتحقيق أهدافه.
عندما جاء وقت الرحيل لقافلة تجارية، أقنع الشاب عمه بالذهاب معه إلى منطقة بعيدة. في خضم رحلة الليل الحالكة، ارتكب جريمته، وعاد إلى منزله وكأن شيئاً لم يكن.
في اليوم التالي، ذهب الشاب إلى بيت عمه ليسأل عن مصيره، وعندما علم أن عمه لم يعد، عاد إلى موقع الجريمة ليجد التجار مجتمعين حول الجثة، تظاهر بالحزن، واتهم التجار بقتل عمه، مطالباً بدفع الدية، لم يكن التجار على يقين من القاتل الحقيقي، فاستعانوا بالنبي موسى عليه السلام.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦۤ إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تَذۡبَحُوا۟ بَقَرَةࣰۖ قَالُوۤا۟ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًاۖ قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡجَـٰهِلِینَ ﴾ [البقرة: 67].
أمر النبي موسى بذبح بقرة للكشف عن القاتل، وكانت الأوامر الإلهية تتطلب أن تكون البقرة “صفراء فاقع لونها تسر الناظرين” و”لا فارض ولا بكر، عوان بين ذلك”، أي في وسط العمر، قال تعالى: ﴿قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَۚ قَالَ إِنَّهُۥ یَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [البقرة: 70-71].
بعد بحث طويل، وجدوا البقرة لدى فتى برّ بوالديه، وكان العرض المالي المُقدم له في البداية غير كافٍ، لكنه وافق أخيراً بعد زيادة المبلغ، عند ذبح البقرة، أمر الله أن تُؤخذ عظمة من كتفيها وتضرب بها الجثة، وفي معجزة إلهية، عاد الرجل إلى الحياة لفترة قصيرة، حيث كشف عن تفاصيل الجريمة واسم القاتل، ثم عاد إلى الموت، ليُكافأ الفتى البار، وتتم معاقبة القاتل.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 72].
تُبرز هذه القصة قدرة الله على إحياء الموتى، وتدعونا للتأمل في العدالة الإلهية التي تظهر في أبهى صورها.
تذكّرنا القصة بأن الله قادر على كشف الحقائق وإظهار الآيات لأولئك الذين يعقلون ويتفكرون، عبر الزمن، تظل هذه القصة عبرة قوية، تُذكِّرنا بأن الحق سيظهر في النهاية، وأن الله بيده كل شيء.