قنا24 | متابعات
يمثّل اضطراب حركة الملاحة التجارية الدولية عبر البحر الأحمر وما سببه ذلك من خسائر جسيمة للشركات العاملة في المجال، إلى جانب سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى، فضلا عن الخطر الأكبر المتمثّل في إمكانية حدوث كوارث بيئية كبيرة، حصيلة ما تسميه جماعة الحوثي اليمنية مشارَكَةً في “دعم” قطاع غزة خلال الحرب الدائرة منذ أكتوبر الماضي بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية.
وتنطوي مغامرة الحوثيين على حالة من عدم التناسب بين جسامة الخسائر وحجم الأخطار من جهة، والنتائج المتحققة للجماعة من جهة مقابلة والتي تتلخص في قدر ضئيل من الدعاية السياسية، تشوبها حالة غضب لدى شرائح واسعة من اليمنيين الذين أثّرت أحداث البحر الأحمر بشكل مباشر على أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وزادت من صعوبة حياتهم اليومية المعقدّة أصلا بفعل الحرب الدائرة في البلد منذ عشرة أعوام.
وعلى مدى الأشهر العشرة الماضية نفّذ الحوثيون العشرات من الهجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب، بصواريخ ومسيّرات بحرية وجوية انطلاقا من مناطق سيطرتهم في اليمن.
وتقول الجماعة المدعومة من إيران إن السفن التي تستهدفها مرتبطة بإسرائيل أو متّجهة إليها، معتبرة ذلك دعما لسكان القطاع.
ومنذ أن بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا بشن ضربات مشتركة على مواقع تابعة لهم في اليمن، بات الحوثيون يستهدفون سفنا يعتقدون أنها على صلة بالبلدين.
ومن بين نحو مئة سفينة مستهدفة بحسب تعداد “مركز المعلومات البحرية المشترك”، الذي يديره تحالف بحري غربي، تسببت بضع هجمات في سقوط ضحايا أو خلفت أضرارا جسيمة.
ففي 19 نوفمبر 2023 نفّذ الحوثيون إنزالا على السفينة غالاكسي ليدر في البحر الأحمر وخطفوها مع طاقمها المؤلف من 25 فردا من جنسيات مختلفة، واقتادوها إلى ميناء الصليف في محافظة الحُديدة الخاضعة لسيطرتهم، وسرعان ما رفعوا عليها أعلام اليمن وفلسطين وشعارات منددة بإسرائيل والولايات المتحدة وبدأوا بتنظيم زيارات لليمنيين على متنها.
والسفينة ناقلة مركبات تشغلها شركة يابانية وتملكها شركة بريطانية مرتبطة برجل أعمال إسرائيلي.
ولا يزال أفراد الطاقم محتجزين لدى الحوثيين. وقد ظهروا في صور وهم يلفّون الكوفيات الفلسطينية على أكتافهم، أثناء لقائهم وفدا من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مايو الماضي.
وشكلت هذه العملية باكورة الهجمات الحوثية على السفن التي تكثّفت في الأشهر اللاحقة، رغم تشكيل واشنطن تحالفا دوليا لحماية الملاحة البحرية في ديسمبر الماضي قام بتوجيه ضربات محدودة للآلة الحربية والبنية العسكرية الحوثية المستخدمة في الهجمات على الملاحة الدولية.
وفي الثامن عشر من فبراير الماضي ألحق هجوم صاروخي حوثي أضرارا جسيمة بالسفينة روبيمار في البحر الأحمر، ما دفع إلى إجلاء طاقمها المؤلف من 24 فردا إلى جيبوتي المجاورة.
وتسبب الهجوم على سفينة الشحن، التي تديرها شركة لبنانية، في تسرّب المياه إليها وخلّف بقعة نفط بطول 18 ميلا، ما أثار مخاوف من إمكانية حدوث كارثة بيئية.
وبعد تعثّر محاولات قطرها إلى ميناء آمن غرقت السفينة مطلع مارس الماضي مع حمولتها البالغة 22 ألف طنّ من سماد فوسفات الأمونيوم الكبريتي الخطر على الحياة الطبيعية البحرية من نبات وحيوان.
كذلك لم تخل هجمات الحوثيين من الخسائر البشرية حيث أصابت صواريخ في السادس من مارس الماضي سفينة ترو كونفيدنس في خليج عدن، ما تسبب في مقتل ثلاثة من أفراد طاقمها، من بينهم فلبينيان، وإصابة أربعة آخرين على الأقلّ. وجرى قَطْر ناقلة البضائع المملوكة من ليبيريا، والتي لحقت بها أضرار جسيمة، إلى ميناء الدقم في سلطنة عُمان.
أمّا ناقلة البضائع توتور المملوكة من شركة يونانية، والتي أصيبت في هجوم حوثي في الثاني عشر من يونيو الماضي ألحق بها أضرارا جسيمة، فقد كانت ثاني سفينة تغرق في مياه البحر الأحمر بعد أن قتل أحد أفراد طاقمها.
لكنّ أخطر تهديد بكارثة بحرية بدأ يخيّم على البحر الأحمر منذ الحادي والعشرين من أغسطس الماضي عندما تسبب هجوم حوثي على السفينة سونيون قبالة سواحل الحُديدة في اندلاع حريق على متنها وفقدان قوة محرّكها.
وفي اليوم التالي أجلت فرقاطة فرنسية، تابعة للبعثة البحرية الأوروبية في البحر الأحمر أسبيدس، أفراد الطاقم البالغ عددهم 25 شخصا إلى جيبوتي، فيما تحولت السفينة اليونانية التي تحمل 150 ألف طن من النفط الخام إلى قنبلة ضخمة عائمة مهددة بالانفجار والغرق ونشر حمولتها الكبيرة في مياه البحر.
وبدا الحوثيون غير مبالين بحجم الكارثة الوشيكة عندما قاموا بنشر مقطع فيديو يُظهر تفخيخ سطح ناقلة النفط وتفجيره، ما تسبب في اندلاع عدة حرائق على متنها.
ثم أعلن في وقت لاحق عن موافقة الجماعة على سحب السفينة لكنّ أسبيدس أعلنت مطلع سبتمبر الجاري أنّ الظروف غير مواتية لقطر الناقلة المشتعلة، محذرة من احتمال حدوث كارثة بيئية غير مسبوقة في المنطقة.
وفي الجانب الاقتصادي والمالي أدت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر إلى خسائر مالية كبيرة للعديد من الدول والشركات حيث رفعت من قيمة التأمين على الناقلات والطواقم وأجبرت الكثير من السفن على التحوّل إلى مسار أطول يلتف على القارّة الأفريقية من جهة الغرب، كما تسببت في ازدحام كبير بالموانئ الآسيوية والأوروبية.
وشملت الخسائر الحوثيين أنفسهم عندما وجهت إسرائيل في يونيو الماضي ضربات جوية لميناء الحديدة الذي يمثّل شريانهم الاقتصادي الحيوي، وذلك ردّا على قيام الجماعة بقصف تل أبيب بطائرة مسيرة.
وأوقعت الضربات خسائر مؤكّدة بشرية ومادية وفي البنى التحتية تكتّم الحوثيون على أغلب تفاصيلها لكن جهات دولية قالت إنّ تبعات استهداف الميناء تطال الملايين من اليمنيين لكونه مدارا رئيسيا للحركة الاقتصادية والتجارية في مناطق سيطرة الجماعة وهو منفذ لتوريد مختلف المواد الضرورية، بما في ذلك الغذاء، وتلقّي المساعدات الإنسانية.