قنا24 | وكالات
تستعد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لاستعادة وجودها الدبلوماسي في ليبيا، بعد سنوات من مغادرة البلاد، في تحرك تعتبره بالغ الأهمية لمواجهة النفوذ الروسي المتزايد في أفريقيا وكذلك دعم المساعي التي ترعاها الأمم المتحدة لإرساء الاستقرار وإجراء انتخابات وطنية.
ونقل موقع “المونيتور” الأميركي عن مسؤول بارز في وزارة الخارجية الأميركية أن إدارة بايدن أخطرت الكونغرس الشهر الماضي بشأن خطتها لاستئناف الوجود الدبلوماسي في ليبيا، وهي عملية قد تستغرق من عام إلى عامين تقريبا لتخصيص منشأة دبلوماسية موقتة في العاصمة طرابلس.
وطلبت إدارة بايدن تخصيص مبلغ 57.2 مليون دولار من موازنة العام 2025 لتمويل وجود دبلوماسي أكبر في ليبيا، بما يشكل تكاليف الممتلكات والسفر والأمن للمنشأة المتواجدة في ضواحي العاصمة طرابلس.
غير أن المصدر أوضح أن تلك المنشأة لن تكون السفارة الرسمية للولايات المتحدة، على الأقل في المستقبل المنظور، لكن سيستخدمها الدبلوماسيون الأميركيون المعنيون بليبيا، والموجودون في تونس، لإجراء رحلاتهم الأطول والأكثر تواترا إلى ليبيا.
وقال المصدر، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه “لا بديل عن التواصل المستمر على الأرض مع الجهات الفاعلة في ليبيا. لقد استغرقنا الوقت الكافي للقيام بالتخطيط الدقيق لهذا الحدث المهم. إنها مهمة معقدة للغاية لاستئناف العمليات”.
ولا تملك الولايات المتحدة سفارة في ليبيا منذ إجلاء موظفيها في العام 2014 تحت حراسة عسكرية مشددة في أعقاب اندلاع اشتباكات مسلحة عنيفة بين الأطراف المتنافسة. وتم نقل الدبلوماسيين الأميركيين إلى مالطا، ولاحقا إلى تونس، حيث يشكلون ما بات يعرف بـ”المكتب الخارجي لليبيا”.
وجعل هذا النهج من الدبلوماسية عن بعد من الصعب للمسؤولين الأميركيين مراقبة الأحداث على الأرض، وبناء العلاقات الضرورية مع الأطراف المحلية. وبصفته مبعوثا خاصا إلى ليبيا، يسافر السفير السابق ريتشارد نورلاند في زيارات بشكل منتظم بين طرابلس وواشنطن.
وسقطت ليبيا في حالة من الفوضى مع الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلسي والتي أطاحت بالزعيم الراحل معمر القذافي وقتلته في عام 2011، لتشهد البلاد حربا أهلية بعد عدة سنوات بين حكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس والحكومة الليبية التي يدعمها قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، وكل منهما مسنود من قوى أجنبية تغرق البلاد بالسلاح والمرتزقة.
وعلى الرغم من المأزق السياسي في ليبيا، أدى تحسن الظروف الأمنية إلى قيام العديد من شركاء الولايات المتحدة بإعادة فتح سفاراتهم في السنوات الأخيرة، بما في ذلك إيطاليا في عام 2017، وفرنسا في عام 2021، والمملكة المتحدة في عام 2022، إلا أن الولايات المتحدة أحجمت عن تلك الخطوة.
لكن بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن رفع علمها في ليبيا، وفق موقع “المونيتور” فإنه مخاطرة بالتحول قضية خلافية بين الحزبين في الولايات المتحدة، فالهجوم على المجمع الدبلوماسي في بنغازي عام 2012، والذي أسفر عن مقتل السفير كريس ستيفنز وثلاثة دبلوماسيين آخرين، زاد من التدقيق في العمليات الدبلوماسية بالخارج، وأطلق أحد التحقيقات الأكثر تكلفة وحزبية في تاريخ الكونغرس.
واليوم، بالرغم من خروج عديد من أعضاء اللجنة المختارة في مجلس النواب بشأن بنغازي، مثل مايك بومبيو وتري غودي، من مناصبهم، إلا أن أحداث بنغازي لا تزال مؤثرة على وجهات نظر عديد من الجمهوريين في مجلس النواب.
وقال مسؤول في الخارجية الأميركية “تعامل هؤلاء بشأن ليبيا دائما ما يكون عدائيا ومعارضا”، لكنه أكد كذلك أن الخارجية الأميركية حددت في خطتها لتشغيل السفارة، التي استغرق إعدادها عامين تقريبا، ضمانات واضحة لضمان سير العمل الدبلوماسي بأمان وفاعلية.
وأضاف أن الخارجية الأميركية نسقت عن قرب وأخطرت اللجان ذات الصلة في الكونغرس بشأن الترتيبات الأمنية واللوجيستية في مجمع “بالم سيتي” الفاخر في حي جنزور بطرابلس حيث تستأجر الولايات المتحدة حاليا عددا من العقارات.
ويستضيف المجمع كذلك مزيجًا من شركات النفط والغاز والمنظمات غير الحكومية والبعثات الأجنبية الأخرى، بما في ذلك بعثات الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية ومصر.
ويسمح قرب هذا الموقع من ساحل البحر المتوسط بالإخلاء السريع في حالات الطوارئ عبر البحر.
وحددت وزارة الخارجية الأميركية عددا من “المصالح الأساسية” التي تتطلب استعادة الوجود الدبلوماسي الأميركي في ليبيا، أولها دعم الجهود الأممية لإجراء الانتخابات في البلاد، وتعزيز الفرص التجارية والاستثمارية الأميركية، ومنع ليبيا من التورط في حالة عدم الاستقرار المتزايد عبر منطقة الساحل.
ويرى مراقبون أن عودة الدبلوماسيين الأميركيين المحتملة إلى ليبيا، هي محاولة من واشنطن للحاق بالركب، خاصة بعد التدافع من الصين والاتحاد الأوروبي، نحو أفريقيا.
ويشير هؤلاء إلى أن واشنطن تحاول الدفاع عن مصالحها، بأن تجد لنفسها حصة بين تلك الحصص التي تدافعت وسبقتها في شراكات كثيرة مع الدول الأفريقية، بعد أن تراخت في هذا الملف كثيرا بسبب انشغالها في الملفات الداخلية وحرب أوكرانيا، مما جاء على حساب النفوذ الأميركي في القارة السمراء.
كما أن الولايات المتحدة في إطار سياستها الرامية المعلنة لمنع التمدد الروسي في ليبيا وأفريقيا بصفة عامة، بدأت في استخدام الشركات الأمنية الخاصة في ليبيا، حيث سيطرت شركة أمنتوم الأمنية على مطار معيتيقة الدولي في طرابلس.
وقد كونت الولايات المتحدة غرفة عمليات مركزية، يشرف عليها ضباط أميركيون، مهمتها تنسيق المهام العسكرية وتدريب وتسليح بعض عناصر المليشيات المسلحة، لإعدادها لأي مواجهة عسكرية مع ما تسميه تنامي النفوذ الروسي في شرق البلاد.
كما تعمل الولايات المتحدة على تعزيز خدمات قنصليتها لحماية المواطنين الأميركيين في طرابلس، عبر تعزيز الوجود الأمني والسياسي في الغرب الليبي، والتحضير لما يمكن وصفه بمواجهة عسكرية مع روسيا في ليبيا، بعد النكسة التي تواجهها الولايات المتحدة والغرب في أوكرانيا.
وفي هذا السياق، أشار موقع “مونيتور” إلى أن من بين الأسباب الرئيسية لعودة الولايات المتحدة، النفوذ الروسي المتزايد في ليبيا وأفريقيا، وهي المنطقة التي تعرف بـ”الجناح الجنوبي” لحلف شمال الأطلسي. ففي الوقت الذي لعبت فيه واشنطن دورا دبلوماسيا على الهامش، عمل مرتزقة مجموعة “فاغنر” الروسية خلال السنوات الماضية على تعزيز النفوذ الروسي في ليبيا.
ودأبت الحكومة الروسية، منذ الوفاة الغامضة لمؤسس “فاغنر”، يفغيني بريغوجين، في أغسطس الماضي، على جلب بقايا المجموعة المرتزقة تحت إشرافها الكامل.
وفي هذا الشأن، قال المسؤول في الخارجية الأميركية “في هذه اللحظة بعد وفاة بريغوجين، هناك نوع من التطور المستمر في كيفية قيام روسيا بأنشطتها عبر القارة الأفريقية. من المنطقي أنه بينما تقيم معظم الدول الأخرى، بما في ذلك القوى الكبرى، وجودها الدبلوماسي في طرابلس، يجب على الولايات المتحدة أن تفعل الشيء نفسه”.
وسعت موسكو إلى ملء الفراغ الدبلوماسي الذي خلفته واشنطن. ويوصف سفيرها لدى ليبيا، حيدر أغانين، الذي يتحدث العربية بطلاقة بأنه “نشط للغاية”.
ونقل “المونيتور” عن مسؤول ليبي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله “الروس يائسون لفرض الشرعية على وجودهم داخل ليبيا. إنه يستخدم عبارة نحن هنا والأميركيون ليسوا كذلك كنوع من العروض الترويجية”.
وقالت ستيفاني ويليامز، وهي دبلوماسية أميركية سابقة عملت أيضًا في مناصب عليا بالأمم المتحدة في البلاد، بما في ذلك مستشارة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا من عام 2021 إلى عام 2022، إن الروس “يبدو أنهم يعززون وجودهم”.
وأضافت “لم تكن ليبيا قط على رأس قائمة أولويات واشنطن. ولم تكن الولايات المتحدة موجودة هناك منذ سنوات عديدة، ولكن عليك أن تبدأ من نقطة ما. وأفضل مكان للبدء هو سفارة على الأرض”.