قنا24 | وكالات
بعد يوم من نشر وكالة رويترز، نهار الجمعة، خبراً عن لقاء جمع أمين عام حزب الله ، حسن نصرالله، بقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اسماعيل قآني في بيروت، نشرت وكالة فرانس برس خبراً عن لقاء آخر جمع في بيروت قيادات فصائل فلسطينية، أبرزها حركة حماس، والحوثيين اليمنيين. في الاجتماع الأول طمأن نصرالله قآني بأنه حريص أن لا تتنجر إيران إلى حرب وأن حزب الله سيقاتل بمفرده، وفق رويترز.
أما الاجتماع الثاني بين الفصائل الفلسطينية والحوثيين فكان لمناقشة “تنسيق أعمال المقاومة ضد إسرائيل”، وفق فرانس برس. الخبران اللذان سربا للإعلام الأجنبي لغاية في نفس مسربيهما، لم يستدعيا اهتماماً من الدولة اللبنانية التي باتت أرضها مسرحاً مفتوحاً أمام ميليشيات تابعة لإيران وفصائل من جنسيات مختلفة. أما سماؤها فباتت فمرتعاً للطيران الحربي الاسرائيلي الذي لا يفارقها.
اللقاءان الذان يمنحان تصوراً عما يحصل على الأرض، ويؤكدان فقدان الدولة اللبنانية لسلطتها على أراضيها لصالح حركات مسلحة أجنبية، لا يحملان أي جديد. فمعادلة وحدة الساحات، التي تسعى لتحييد الساحة الإيرانية عن الصراع ومدها بالمكاسب، واضحة منذ ما قبل السابع من أوكتوبر، تاريخ إعلان حماس عملية طوفان الأقصى. ولقاء قيادات الميليشيات على الأراضي اللبنانية وتنقلهم بحرية في لبنان وبدون أي اعتبار للدولة ليس بجديد. لكنه بات أكثر علانية من قبل.
وبينما تصبح بيروت مقراً للقاءات أمنية سرية ترسم خططاً عسكرية وتصوراً لمرحلة مصيرية للبنان، تستبعد الدولة اللبنانية منها، ينشغل الأمن العام اللبناني وشعبة الأمن القومي في رصد مقابلات إعلامية وتستحضر “هيبة الدولة” لكم الأفواه وترهيب من ينتقد الفلتان الأمني الحقيقي والتعدي على صلاحيات هذه الأجهزة. إذاً أجهزة الدولة على أهب الاستعداد لقمع من يحكي راياً مخالفاً لحزب الله أو من يكشف فساداً. أما المستخف فعلياً بهيبة الدولة وأمنها القومي فتغض الطرف عنه، إن لم نقل أكثر. تتعامى الأجهزة التي يفترض بها الحرص على الأمن القومي وحصره بالدولة اللبنانية عن رؤية الجنرالات الأجانب الذين يدخلون ويخرجون بحرية من وإلى لبنان ويضعون الخطط العسكرية ويستخدمون أرضه لعمليات عسكرية من دون أي تنسيق معها أقله. فالدولة بالنسبة لهؤلاء ليست أهلاً للثقة ولا سلطة فعلية لها. هي هيكل يمكن استخدامه عند الحاجة في بعض المهام الانقاذية لهذه الجماعات.
ولطالما كان لبنان ساحة مفتوحة أمام الجنرالات الأجنبية بعيداً عن العلاقات الرسمية التي تمر عبر الدولة اللبنانية وأجهزتها ومؤسساتها الأمنية كما يفترض. حتى بات لهؤلاء الجنرالات سلطة على الأراضي اللبنانية تفوق سلطة الدولة في كثير من المحطات. بل وبات مصير لبنان بأيديهم.
في ما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، وبلسانه، ذكر مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا، وفي ذكرى اغتيال قائد فيلق القدس السابق الجنرال قاسم سليماني قبل سنتين، أن سليماني هو من خرج بفكرة أسر جنديين إسرائيليين في تموز من العام 2006 وهي عملية الأسر التي ردت عليها إسرائيل بشن حرب على لبنان وتدمير مناطق فيه. تعرف مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله على سليماني في العام 2005، أي في السنة التي اغتيل فيها رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، ليضع إمكاناته بتصرف الجنرال الإيراني وضمن مسار عمل معين، وفق ما قاله صفا نفسه في مقابلة تلفزيونية قبل سنتين.
وفي مقابلة تلفزيونية، روى سليماني بلسانه كيف شارك ومن قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، في إدارة العمليات في حرب تموز إلى جانب نصرالله ومعاونه العسكري الذي اغتيل في سوريا، عماد مغنية. ونشر حزب الله صورة تجمع القادة الثلاثة في تلك المرحلة. دور سليماني لم يقتصر على الحرب مع إسرائيل. فحتى خلال الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في لبنان عام ٢٠١٩ كان لسليماني دوراً قبيل اغتياله. وهو ما ألمح له خبر تعمدت نشره صحيفة موالية لحزب الله، تحدث عن توجه سليماني إلى بيروت. نشر الخبر بينما كانت الشوارع اللبنانية تغص بالمتظاهرين، في سياق ترهيبهم بعدما خونهم نصرالله لمجرد المطالبة بحقوقهم المعيشية وبوضع خطة إصلاحية. يومها كان سليماني معروفاً بالدور الذي لعبه في قمع ثورات وانتفاضات في بلاد عربية مختلفة أبرزهما سورية والعراق. وفي تاريخ الجنرال الراحل سجل طويل من الزيارات إلى لبنان في مهمات أمنية وسياسية.
انتهت مرحلة سليماني باغتياله منذ حوالي 4 سنوات . لكن منذ 7 أوكتوبر فتحت مرحلة جديدة في لبنان. مرحلة استنهض فيها حزب الله همة العديد من الجماعات المسلحة من بينهم الجماعة الإسلامية. كما أتاح لحركة حماس التحرك جنوب لبنان. وفي حين يترقب اللبنانيون بخوف مصيرهم، تحول لبنان إلى ساحة تستخدمها فصائل عدة، لبنانية وغير لبنانية، لإطلاق الصواريخ على إسرائيل، ومن ثم التجول استعراض أسلحتها في مناطق مختلفة تحت حجة الفعل المقاوم.
وإن كان حزب الله يضبط اليوم وينسق عمل هذه الفصائل، لكن لا ضمانات بأن يظل ضابطاً لها دوماً. ولا يمكن لأحد توقع ما قد ينجم عن تعدد الفصائل والسلاح من تداعيات في ظل تحجيم الدولة أكثر فأكثر. اليوم لم نعد أمام سلاح جهة واحدة تبتز بتبنيه في البيانات الوزارية لتشكيل الحكومات. بل بتنا أمام أسلحة فصائل مختلفة وجماعات مختلفة تحكمها أيديولوجيات تحركها الماورئيات تجعل من بيروت مركز تنسيق وعمليات لها. هي حالة كلما تأخر استنكارها ورفضها وكلما تأخرت الدولة في مواجهتها كلما ترسخت أكثر وزاد خطرها.