قنا24 | وكالات
دخلنا منذ زمن عصر الطائرات بدون طيار أو المسيرات، حيث تبين أن دورها كان مهيمناً لا سيما في حروب العراق وليبيا وسوريا وناغورنو كاراباخ وأوكرانيا، وحالياً هي أساسية في حربي غزة وجنوب لبنان، وغالباً ما يسمع سكان بيروت الهدير المميز للمسيرات الصغيرة ويتسائلون لماذا لا يتم إسقاطها. فما هي ميزات هذه المسيرات ونقاط قوتها وضعفها؟ وهل تغيـّر في قواعد اللعبة في الحروب؟
الميزة الأساس للمسيرات هي إمكانية إرسالها في مهام خطرة دون خشية فقدان طيارين، والبعض منها قدرتها على البقاء في الجو يفوق الـ24 ساعة، وبالتالي يمكنها تنفيذ عمليات اغتيال تتطلب وقتاً طويلاً للبحث والتعرف على الهدف والرماية عليه.
ميزة أخرى للمسيرات الصغيرة والتي تشكل معظم المسيرات، هي كلفتها المتدنية مثل الصغيرة منها التجارية ذات الأجنحة الدوارة الرباعية Quadrocopters كتلك المستعملة في تصوير المناسبات والتي يبلغ سعرها بضعة مئات من الدولارات ويمكن تسليحها وتحويلها لإستعمال قتالي محدود، وهناك مسيرات تبلغ كلفتها عشرات آلاف الدولارات مثل المسيرة الهجومية الإنتحارية الإيرانية الصنع نوع “الشاهد 136” التي يستعملها الجيش الروسي في أوكرانيا والتي تزن 200 كيلو وتحمل رأس متفجر زنته 40 كيلو ويصل مداها إلى 2000 كيلومتر وتطير بسرعة 185 كم/ساعة وهي دقيقة، كما هناك مسيرات يتجاوز سعرها الـ130 مليون دولار مثل مسيرة التجسس الأميركية المتطورة نوع RQ 4A Global Hawk.
المسيرات الرخيصة الثمن تفتح المجالات لدول كثيرة باستحوازها وتصنيعها بكلفة قليلة والإستعاضة عن الطائرات المأهولة، ومن المرجح أن تـُـنشر عشرات الآلاف منها في الصراعات المستقبلية لتدمير أو إضعاف القوات المعادية قبل أن تتمكن خذخ الأخيرة من الرد، وهذا ما فعلته حماس في عملية طوفان الأقصى خلال الساعات الأولى، مما باغت إسرائيل وجعل رد فعلها بطيئاً في الأيام الأولى.
المسيرات الهجومية الإنتحارية لها قدرة عالية على تخطي الرصد الراداري، كونها صغيرة الحجم وتطير على علو منخفض، فقد أثبتت الحرب في سوريا أن أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتطورة، مثل S300 البعيدة المدى والـPantsir القصيرة المدى، عجزها بشكل ملفت عن كشف المسيرات الإسرائيلية وتلك التي استعملتها داعش، والتي تمكنت من الإفلات واستغلال فجوات التغطية لهذه الأنظمة التي تم تصميمها لرصد وتدمير طائرات مأهولة أكبر حجمًا، وقد دمرت المسيرات الإسرائيلية العديد من أنظمة Pantsir الروسية في سوريا.
أضف أن المسيرات الهجومية الإنتحارية تطير ببطء، مما يجعلها دقيقة ولكن في الوقت نفسه يشكل ذلك نقطة ضعف إذا تم كشفها بالعين المجردة أو برادارات طائرات تحلق في الجو أو برادارات أرضية صغيرة، بحيث يسهل إسقاطها، ولكن هذا الأمر يمكن تخطيه بالعدد إذ يمكن للقوى التي تستعمل المسيرات الإنتحارية أن تتحمل خسارة أعداد كبيرة منها، طالما يبقى منها ما يكفي لتدمير الأهداف، فهي ولو كانت معرضة للإسقاط بشكل فردي، فإن نشرها بشكل جماعي وبأعداد وفيرة يؤمن تخطـّـي عدد كاف منها لأقوى الدفاعات.
نقطة قوة أخرى للمسيرات هي تنوع إستعمالها الذي يشمل التجسس والإستطلاع والمراقبة والإغتيالات مثلما حصل مع اللواء سليماني وأيمن الظواهري وكوادر داعش ومثلما يحصا اليوم مع كوادر حماس وحزب الله، وكذلك تستعمل للتشويش الإلكتروني ورماية الصواريخ والقنابل اليدوية والقذائف المضادة للدروع وقذائف الهاون، ومراقبة رمايات المدفعية ورمايات الطائرات وتصحيحها، لذلك غالباً ما تقترن هذه المسيرات بالمدرعات والمدفعية (الصديقة) والطيران النفاث.
كما يمكن للمسيرات الصغيرة التي يستعملها المشاة رصد قوات العدو عن بعد وتزويدهم مباشرة بالمعلومات التكتيكية وكسب الوقت لردات الفعل ونصب الكمائن والإستفادة من عنصر المفاجئة، وحتى تدمير المدرعات من الجو بدقة بقذائف صغيرة الحجم، وقد أظهرت الحروب الأخيرة أن المسيرات الإنتحارية لا تطلق من المدارج، بل من منصات متواضعة ثابتة، أو أخرى يتم تركيزها على آليات خفيفة تتيح لها الإنتقال السريع من مكان إلى آخر والإطلاق والإنسحاب السريع، كما تستعمل بعض المسيرات البدائية الكبيرة الحجم كطعم للعدو فيقوم بالرماية عليها ما إن يكشفها فتنكشف مراكزه ويتم استهدافها عن بعد بمسيرات مزودة بصواريخ جو – أرض أو بأخرى إنتحارية.
اليوم هناك ثلاثين دولة تمتلك مسيرات مسلحة من بينها إسرائيل ومصر والعراق وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والدول التي تصدّر هذه المسيرات المسلحة إلى المنطقة هي الصين والولايات المتحدة والنمسا وجنوب أفريقيا وتركيا.
أما الدول الشرق أوسطية التي تقوم بتصنيع أو تطوير المسيرات فهي إسرائيل، والمملكة العربية السعودية التي أعلنت عن نوعين من المسيرات المصنعة محلياً وهما “النورس” و “حارس الأجواء”، والإمارات العربية المتحدة، والأردن حيث أفصح عن الفكرة منذ العام ولكن لا معلومات متوفرة عن التصنيع، وإيران وهي تزود بها الحوثيين وحزب الله والميليشيات العراقية الموالية لها، وكذلك إيران تزود بها روسيا التي تستعملها في أوكرانيا، وقد أشارت عدة تقارير أن التنظيمات المسلحة مثل داعش وحزب الله والجهاد الإسلامي الفلسطيني وحماس والقاعدة تستعين بالمسيرات، وخاصة تلك الصغيرة ذات الأجنحة الدوارة الرباعية Quadrocopters المتوفرة تجاريا، وتستخدمها للمراقبة والإستطلاع، كما أن الجماعات المتحالفة مع إيران تتزود بمسيرات إيرانية الصنع، والأكثر مهارة في مجال التكنولوجيا مثل داعش وحماس قامت بتسليح المسيرات التجارية واستخدامها في القتال سواء للمراقبة أو رماية الرمانات أو القذائف المضادة للدروع أو لدفعها للإنقضاد على الهدف.
نجحت الطائرات المسيرة في تغيير اللعبة في مسارح العمليات، فمثلاً خلال الحرب السورية دمرت المسيرات التركية من نوع بيرقتار2، من تدمير العشرات من الدبابات والدفاعات الجوية والمدرعات السورية، مما أسفر عن مقتل المئات من الجنود السوريين، ودفع روسيا إلى طلب وقف إطلاق النار من انقرة.
الدول التي تواجه جيوش أو تنظيمات تستخدم الطائرات المسيرة، مضطرة إلى اعتماد التمويه والتحصين لمدرعاتها وآلياتها لمواجهة التهديد الجوي، فإسرائيل مثلاً في حرب غزة تعتمد على نوع من “السقالة” الحديدية المسقوفة فوق أبراج دبابات الميركافا لحمايتها من مسيرات حماس الإنتحارية وصواريخها الموجهة المضادة للآليات، وفي أوكرانيا تراجع كثيراً الزخم الروسي بسبب مسيرات الجيش الأوكراني ولم تعد روسيا تعتمد على الدبابات التي كانت العمود الفقري لعقيدتها القتالية، وعادت لإعتماد أساسي على المدفعية المقترنة بالدفاعات الجوية لدرء خطر المسيرات.
أخيراً إن التهديد المتمثل في ظهور المسيرات فجأة في المناطق الخلفية التي يفترض أنها آمنة، يؤدي إلى تعقيد الدعم اللوجستي، ولكن المسيرات لها نقاط ضعف، فمعظمها محدودة وبدائية وعرضة للتشويش الإلكتروني، وقد تم إسقاط الآلاف منها، وغالباً ما يستحيل استعمالها بسبب سوء الأحوال الجوية، وتلك المزودة منها بالصواريخ كثير منها حمولتها محدودة ومداها قصير.
باختصار، دفعت الطائرات المسيرة إلى مراجعة العقائد القتالية، ولكن لا يجب المبالغة أو الإهمال في تقدير قدراتها القتالية، إذ ستكون موجودة في كل مسارح العمليات على غرار باقي الأسلحة. اما تحليقها فوق بيروت، فهو مقلق للغاية خاصة وأن التصدي لها صعب لصغر حجمها ولصعوبة كشفها بالعين المجردة وبالرادارات وهي على الأرجح إستطلاعية، لأن الهجومية منها القاذفة للصواريخ فهي تطير على مسافات بعيدة وعلى علو خارج مدى المضادات الأرضية المتوفرة في لبنان.