قنا24| بيروت
بفعل التطور التكنولوجي المهول وتجنيدها عملاء في صفوف “حزب الله”، والخرق الأمني الذي يسهله بطبيعة الحال الانهيار الاقتصادي، بات لدى إسرائيل قدرة هائلة على جمع المعلومات وتحديد بنك من الأهداف.
وخلال السنوات الماضية، ونتيجة لخرق الأجواء اللبنانية من دون رادع، نشرت إسرائيل خرائط لأماكن بين مبان سكنية ادعت أنها منشآت عسكرية تابعة لـ”حزب الله”. لكنّ المعلومات التي بحوزة إسرائيل لم تحصل عليها جميعها بجهد.
تكفي جردة بسيطة لأداء السلطة اللبنانية خلال السنوات الماضية ليظهر وكأنها من أكبر المعينين لإسرائيل في جمع بيانات اللبنانيين وخرق خصوصياتهم.
فلطالما استخفت السلطة اللبنانية بنوابها ووزرائها بخصوصية اللبنانيين وبياناتهم. ولم تول بمختلف مكوناتها أي اهتمام للأمن السيبراني. ولعل سهولة قرصنة المطار وتعطيل بعض أجهزته ومن ثم عدم تقديم تفسير عما حصل شكل أبرز مثال على حجم إهمال الأمن الرقمي والذي يكاد يفوق الأمن العسكري أهمية في عصر التكنولوجيا، إذ يشكل عاملاً أساسياً في غلبته.
وهو ما بين أن شبكة الاتصالات التي خاض “حزب الله” حرباً داخلية بحجة حمايتها (أحداث 7 أيار)، لم تحمه من الاستهداف. وكأنه بذلك يدفع هو أيضاً ثمن إهماله لأمن اللبنانيين السيبراني.
كذلك بات من الصعب على عناصر “حزب الله” ومحيطهم من الذين أدمنوا مواقع التواصل الاجتماعي التخلي عن هذه المنصات أو التصرف بحرص أكبر مع هواتفهم التي وصفها أمينهم العام، حسن نصرالله، بالعميلة. حتى أن نجل نصرالله نفسه لم يستجب لدعوة والده بالابتعاد عنها، واستمر بالتغريد خارج سرب والده.
ذلك على الرغم من ملاحظة أي مستخدم أن التطبيقات وحتى المواقع تجمع كل البيانات المتعلقة به. ويظهر ذلك جلياً بما تقدمه له من اعلانات تستند على حواراته الخاصة وتفضيلاته وموقعه الجغرافي.
وبعيداً عن استهداف عناصر “حزب الله”، تتحمل السلطة اللبنانية بوزرائها وأجهزتها مسؤولية تسليم بنك من البيانات لإسرائيل. فسجلات النفوس وبيانات تسجيل السيارات متاحة للجميع وتباع، غيرها من البيانات كذلك. في حين يتمنع البرلمان ومعه الحكومة عن إقرار قوانين وخطط عمل تحمي البيانات الشخصية، وتمنع الدولة والجهات الخاصة من بيعها. خصوصاً اليوم في عصر باتت تقنيات الذكاء الاصطناعي تنظم هذه البيانات بسرعة تسهل تحليلها واستخدامها من قبل إسرائيل في الأعمال العسكرية.
اليوم يجب مساءلة السلطة بكل مكوناتها عن مسؤوليتها عن كل ما سبق. ففي السنوات الماضية وبدل تكريس إمكاناتها وجهودها لملاحقة الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي بتهم المس بهيبة الدولة وتهديد السلم الأهلي، وغيرها من العبارات الفضفاضة، بهدف منع انتقادها ولترهيب المعبرين بحرية عن آرائهم، وبدل ملاحقة مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية للناشطين، كان الحري بهؤلاء بذل هذا الجهد لمنع انكشاف لبنان أمنياً وللحد من كشف قاعدة البيانات لأي كان، من دون حاجته حتى لبذل جهد لخرقها.
كما تتحمل السلطة مسؤولية إهمال التطور التكنولوجي والتعاطي وكأنه يكفي أن يحمل نجل أمين عام حزب الله، وغيره من أبناء المسؤولين، أجدد نسخة من هاتف “آيفون” ليشعر لبنان بالتفوق التكنولوجي. بينما تستمر سياسة توظيف المحسوبيات وتهجير الكفاءات التي تشكل حاجة ماسة لتشكيل أحد أسس الدولة الحديثة وحمايتها من أبسط التهديدات.
يدفع اللبنانيون اليوم أيضاً ثمن طمس ما وصف بفضيحة التجسس، في العام 2018. يومها نقلت وكالة “رويترز” عن تقرير مشترك لمؤسسة “لوك آوت” المتخصّصة في أمن الهواتف المحمولة ومؤسسة “إلكترونك فرونتير” المعنية بالحقوق الرقمية، كشفهم عن خرق آلاف الهواتف الذكية وتحويلها لأجهزة تجسس.
وأشار التقرير إلى أن مصدر الخرق هو مبنى الأمن العام في بيروت. ووصف ذلك، في حينه، بـ”أحد أول الأمثلة المعروفة عن اختراق واسع النطاق تقوم به دولة لهواتف بدلًا من أجهزة الكمبيوتر”.
لكن الأخطر كان ما كشفه الباحثون، بتاريخه، عن أن المشغلين تركوا البيانات الشخصية متاحة علناً على شبكة الانترنت المفتوحة. إلا أنه وكما جرت العادة في التعاطي مع كل الفضائح والجرائم في لبنان، طمست الفضيحة على الرغم من المطالبات بالتحقيق.
بناءً عليه، وفي خضم الحرب الدائرة جنوب لبنان، لا يمكن تفسير لوم صحفي أو مغرد يتداول معلومات عامة، نشرت مراراً على وسائل إعلامية، بمقابل الصمت عن تاريخ من كشف البيانات الشخصية، سوى محاولة جديدة للتغطية على إجرام السلطة وطمس جديد لإحدى جرائمها بكشف لبنان أمام عدوه. بل وهي أيضاً تحريض ومحاولة قمع، يدرك أصحابها سطحية ادعاءاتهم، لكنهم يستمرون بها فداءاً للسلطة نفسها التي سلمت المعلومات لإسرائيل.
السلطة نفسها التي سيخوِّن هؤلاء من يدعوها لتحمل مسؤوليتها في هذا الظرف تحديداً. أما حرف الأنظار عن مسؤولية السلطة والتي يرأسها حزب الله اليوم، في وقت يدفع فيه الجنوبيون ثمن هذا الفشل، فلا يفعل سوى أنه يزيد من معاناة هؤلاء والأكلاف التي يدفعونها بمواجهة إسرائيل.