(قنا24 – بي بي سي)
تلعب الخفافيش دوراً كبيرا في النظم البيئية في العالم، ولكن من المعروف عنها أيضا أنها تحمل عددا من الفيروسات. وقد صار البشر يتعدون على موائلها الطبيعية بشكل متزايد، وهو ما يزيد من خطوة تفشي أوبئة جديدة. وقد دفع ذلك العلماء إلى البدء في دراسة الخفافيش، لعلها تساعدهم في التوصل إلى وسائل تمنع ظهور جائحة جديدة.
يعتبر الغسق الفترة السحرية في حديقة حيوان أكرا. فهو الوقت الذي تبدأ فيه مستعمرة خفافيش الفاكهة ذات اللون الأصفر الشاحب في الاستيقاظ، وأفضل توقيت لإجراء اختبارات عليها لمعرفة ما تحمله من كائنات دقيقة ممرضة.
وقد جاء فريق من العلماء من كلية الطب البيطري بجامعة غانا إلى هنا لتحليل روث الخفافيش.
البحث الذي يجريه الفريق يأتي ضمن مشروع دولي يهدف إلى التنبؤ بالتفشي الوبائي التالي. وحتى في هذه الحرارة الشديدة التي يتسم بها موسم الأمطار في غانا، يرتدي هؤلاء العلماء سترات وأقنعة واقية. يدخل أعضاء الفريق إلى حظيرة الخفافيش ويغطون أرضيتها بقماش مشمع عازل للماء.
الكثير من الغموض ما زال يكتنف تلك الحيوانات – وهي الثدييات الوحيدة التي تستطيع الطيران – وجهاز مناعتها الخارق. فبإمكان الخفافيش أن تكونة حاملة للكثير من الفيروسات ولكنها لا تمرض.
انضمت غانا إلى دول أخرى مثل بنغلاديش وأستراليا ضمن مشروع عالمي أطلق عليه اسم Bat OneHealth، والذي يسعى إلى اكتشاف كيفية انتقال العوامل الممرضة أو الفيروسات من نوع من الكائنات الحية إلى آخر، وما الذي يمكن فعله لوقف تخطي الفيروسات للعديد من الحواجز لتصبح أكثر فعالية وانتشارا بين أفراد نوع آخر من الكائنات.
ونظرا لما شهده العالم من تفش وبائي لفيروس كوفيد-19، فإن الفيروسات التي تحملها الخفافيش والتي يتم التركيز عليها في هذا البحث تشمل الفيروسات التاجية (فيروسات كورونا).
يشرح الدكتور سو-آير أنه وفريقه يعكفون على إجراء اختبارات للخفافيش لمعرفة ما إذا كانت حاملة للفيروسات التاجية والفيروسات المخاطية. النوع الثاني من الفيروسات يتسبب في إصابة البشر بأمراض كالحصبة والتهابات الغدة النكافية والتهابات الجهاز التنفسي.
ويصف الخفافيش بأنها “خزانات” لتلك الفيروسات لأنها تحمل العدوى بدون أن تصاب بها.
“لذا نريد أن نراقب ونرى ما الذي يحدث”.
ويقول إنهم عندما أجروا اختبارات على الخفافيش البرية، لم يرصدوا فيروس كوفيد-19 فيها.
وحاليا، يجري فريقه اختبارات على روثها لمعرفة ما إذا كانت حاملة لبكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية. وقد أطعم العلماء الخفافيش ثمار فاكهة الباوباو (pawpaw)، وبمجرد أن تتغوط تلك الحيوانات على القماش المشمع، سيجمع العلماء عينات من روثها ذي اللون البرتقالي الفاقع ويقومون بتخزينها في أنابيب اختبار.
لقد كانت جامعة غانا في طليعة هذا المجال البحثي الجديد، حيث إن هذا المشروع هو الأول من نوعه. بيد أنه يظل هناك العديد من الفجوات في فهم العلماء.
فهم يحاولون في نهاية المطاف اكتشاف ما إذا كانت هناك بكتيريا مقاوِمة للمضادات الحيوية في روث الخفافيش.
يقول الدكتور سو-آير: “إذا كانت هناك مقاوَمة، سوف نكتشف لأي نوع من المضادات الحيوية تنمو تلك المقاومة في أجسام الخفافيش. وفي المستقبل، سوف نحاول عزل الجينات المقاوِمة من تلك البكتيريا”.
هذا ليس البحث الوحيد الذي يجرى على الخفافيش في جامعة غانا.
ففي شجيرات وأعشاب حديقة النباتات بالجامعة، يعكف الدكتور كوفي أمبونسا-ميناش على تثبيت شبكة خضراء عالية، وكأنه يستعد لممارسة لعبة البادمنتون أثناء الليل.
تلك الشبكات تتيح له اصطياد بعض الخفافيش بشكل مؤقت، ثم يقوم بفحصها لاحقا وأخذ مقاساتها قبل أن يطلقها مرة أخرى في البرية. وبوصفه عالما بيئيا، يشعر الدكتور أمبونسا-ميناش بالقلق بسبب تعدي البشر المتزايد على موائل الخفافيش.
يشير إلى أن معدلات تدمير الغابات في غانا مرتفعة، إذ تؤدي عمليات التعدين المتنامية إلى القضاء على الغطاء النباتي الذي يعتبر الموئل الطبيعي للخفافيش.
يقول: “أعتقد أننا نستخدم الخفافيش ككبش فداء في المجالات التي أخفق فيها البشر، لأنه تاريخيا لم يكن لدينا الكثير من هذه الأمراض الناشئة”.
“إننا نحن من نتعدى على موائل الخفافيش، ونحن من نعبث بالنظام البيئي. وهذا يؤدي بوضوح إلى المزيد من الاتصال والاحتكاك بها، ثم احتمال ظهور بعض تلك الأمراض”.
أي مناقشة حول كيفية تفاعل البشر مع الخفافيش تقود حتما إلى مسألة لحوم الأدغال.
كل أنواع الحيوانات تباع هنا في سوق لحوم الأدغال الكائن على خط سكة حديدي مهجور في وسط أكرا. مثل هذه الأسواق هي البؤر التي يقع فيها الاتصال بين البشر والحيوانات البرية، مثل الخفافيش. ويؤدي ذلك إلى بروز خطورة يحاول العلماء استباقها.
إنه بالتأكيد ليس مكانا لضعاف القلب. فهناك حيوانات ضخمة من فصيلة القوارض تسمى “قاطعات الحشائش” ذات أذيال طويلة، وظباء مذبوحة، والذبح واحد من العديد من أساليب الصيد التي تتعرض لها الحيوانات في البرية.